أعلنت طهران مؤخرا استعدادها لبيع وشراء الأسلحة بعد انتهاء حظر توريد السلاح المفروض عليها، ولكن هذا الخيار يواجه الكثير من التحديات.
أعلنت إيران انتهاء حظر التسليح المفروض عليها أمميا، وأخبرت العالم بعودتها إلى سوق السلاح مستوردا ومصدرا، هللت لما اعتبرته انتصارا لها على الإرادة الأمريكية التي شاءت عكس ذلك، وصاحت بأنها لم تعد تخشى التزود بأي أسلحة تحتاجها سياستها الدفاعية، أو بيع أي من إنتاجاتها العسكرية لمن تشاء.
نظريا لم تنجح المساعي في تمديد حظر التسلح الأممي على إيران، وبات بوسع الأخيرة بيع وشراء أدوات الحرب كيف ومتى تشاء، ولكن من سيشتري منها، أو يبيعها؟ وماذا قد تطلب أي شركة أو دولة من طهران مقابل هذه التجارة، التي ستضعها وجهاً لوجه مع العقوبات الاقتصادية الأمريكية؟
قبل كل شيء تريد طهران تدعيم سياستها الهجومية وليس الدفاعية كما تدعي، فدائماً هي المعتدي وليست الضحية، أما ما تحتاجه فهو وفق تقارير متخصصة قائمة طويلة من الأسلحة تتضمن مقاتلات ودبابات ومدرعات، بالإضافة لأنظمة دفاع جوي وباقة كبيرة من منتجات التكنولوجيا الحربية المتطورة.
السبيل إلى كل ذلك هو إما باستيراد الأسلحة من الدول المصنعة، أو باستيراد التقنية لتصنيعها محلياً في إيران، ولكن المشكلة الأساسية وليست الوحيدة، في الخيارين هي العقوبات الأمريكية القاسية التي تنتظر أي دولة أو شركة تقبل التعامل مع طهران سواء في بيع السلاح أو التقنية اللازمة لتصنيعه.
قد يتجاوز "الخمينيون" هذه المشكلة جزئياً بالتعاون مع موردين غير شرعيين أو دول تريد التمرد على الولايات المتحدة، وهنا تواجه طهران مشاكل أخرى تبدأ بمحدودية هذا التعاون، ولا تنتهي عند نوع العملة أو المقايضة التي يمكن استخدامها لإتمام عمليات البيع والشراء بعيداً عن أعين وأذرع الولايات المتحدة حول العالم.
تتصدر الصين وروسيا قائمة الدول القليلة التي يمكن أن تتجاهل العقوبات الأمريكية في تعاون محدود مع إيران عسكرياً، والمحدودية هنا تأتي لسببين، الأول أن هذه الدول لا تقوى على خصومة مالية نهائية مع الولايات المتحدة، والثاني هو أنها لن تدعم طهران كما يشتهي الخمينيون دون مقابل سياسي كبير، وكبير جداً.
الصين وحدها هي من وعدتها إيران بهذا المقابل الكبير عبر اتفاقية تعاون استراتيجي تمتد لخمسة وعشرين عاماً، ولكن الاتفاقية لا تزال معلقة من قبل الطرفين بانتظار نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، فإن فاز الرئيس دونالد ترامب أسرع الطرفان إلى إبرامها، وإن خسر تمهلا حتى تتكشف النوايا الحقيقية لجو بايدن.
يقول بايدن إنه يريد العودة إلى الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015، ولكن هل ذلك الاتفاق لا زال ساري المفعول حتى الآن؟ هل يمكن لبايدن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ليعود كل شيء كما كان قبل انسحاب بلاده من الاتفاق في 2018؟ الإجابة باختصار هي لا، لأن متغيرات كثيرة جرت خلال العامين الماضيين.
ولأن بكين على أبواب احتكار الأسواق الإيرانية في غالبية المجالات ومنها التسليح، تفضل موسكو التروي قليلا في دعم طهران عسكرياً، هذا إضافة إلى أن للروس كثير من التحفظات على تطوير قدرات منافسهم في الساحة السورية من جهة، والخصم لعدة دول صديقة لهم في الشرق الأوسط والقارة السمراء من جهة أخرى.
أمام محدودية قدرة الدول والشركات على البيع لإيران، لن يبق أمام الخمينيين سوى خيار تصنيع أسلحتهم بأنفسهم، هم يفضلون ذلك لأنه أوفر مادياً، وأقل كلفة سياسيا، ويزيدهم خبرة وتمرساً في المجال، ولكن المشكلة أن الفرص ليست متاحا لهم بالقدر الذي يشتهون، بسبب صعوبات مالية وتقنية خلقتها العقوبات الأمريكية.
الاستثمار في تصنيع الأسلحة يحتاج لأموال لا تتوفر بما يكفي عند الإيرانيين بسبب العقوبات الأمريكية أيضاً، كما أن التصنيع يحتاج إلى تكنولوجيا متقدمة لم تبلغها طهران، ولن يبيعها لها أحد تجنباً للعقوبات ذاتها، وإن فعل ذلك خلسة فستكون التكلفة على الخمينيين مضاعفة، والأنواع محدودة، والكميات قليلة ومخيبة للآمال.
مع مرور وقت طويل وبحيلٍ مرهقة، قد يتجاوز الخمينيون الصعوبات التي تعترض تصنيعهم للأسلحة، حينها يبدأ البحث عن الشراة وسط خيارات محدودة بسبب العقوبات الأمريكية من جهة، والمنافسة الشرسة في هذا المجال من جهة أخرى، فإيران ليست قطبا في هذه الصناعة، ولا يبدو أنها ستصبح كذلك في المدى المنظور.
لا يبقى لأسلحة الخمينيين من فائدة ترجى إلا بتوزيعها مجانا على ميليشيات الولي الفقيه، ولكن حتى هذا الخيار لا يبدو يسيراً، فالعطايا المجانية لهذه الميليشيات في العراق وسوريا ولبنان واليمن باتت تجر على طهران أزمات داخلية وخارجية، حيث باتت دول العالم تنظر لإيران كأكبر تهديد للأمن والسلم في الشرق الأوسط، كما أن الإيرانيين أنفسهم ضاقوا ذرعا من تفضيل "الخمينيين" للميليشيات على معيشتهم.
لا تنتهي مشكلة إيران هنا، فقد غدا دعمها لميليشياتها في المنطقة محفوفاً بالمخاطر لسببين، الأول هو أن قائمة الدول التي تدرج هذه الميليشيات على قوائم الإرهاب تتسع يوميا، والثاني هو المراقبة الأمريكية والإسرائيلية الحثيثة لتحركات وكلاء الخمينيين في المنطقة، فتستهدف كل قطعة سلاح تصل إليهم أو يحاولون استخدامها.
لقد فقدت إيران بفعل هذه المراقبة العقل المدبر للميليشيات قاسم سليماني مطلع العام الجاري، وخلال العامين الماضيين يكاد لا يمر أسبوع دون أن تسمع عن تدمير شحنات أو مخازن أو مراكز إيرانية لتصنيع الأسلحة في سوريا، هذا بالإضافة لما لحلق بأذرع إيران في العراق، وما يفعله التحالف العربي يومياً بالانقلابيين في اليمن.
في المحصلة، لن تكتمل فرحة إيران بانتهاء الحظر على تسلحها إن بقي ترامب رئيساً لأربع سنوات أخرى، وإن رحل سيكتشف الخمينيون أن الرهان على بايدن كان مبالغاً فيه، أولاً لأن العالم قد تغير كثيراً خلال السنوات الأربع الماضية، وثانيا لأن خصومهم باتوا يحاربونهم بالسلاح الذي يخشونه، وهو إحلال السلام في المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة