أيام قليلة تفصل العالم عن بدء الأمريكيين الإدلاء بأصواتهم لاختيار الرئيس الجديد لبلادهم.
خلال أسبوع من الآن سوف يجد المواطن العربي نفسه في مواجهة ازدحام إخباري شديد بكل ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية الأمريكية ليس فقط في المصادر العربية المعروفة وإنما تقريبا بكل لغات العالم. الولايات المتحدة دولة عظمى ولا شك، وتأثيرها في العالم برا وبحرا وجوا وفضاء لا ينافسه أحد من دول العالم، الصين يمكنها أن تصنع تليفونات "آبل" ولكنها لا تنتجها، وبالكاد فإن شركة "علي بابا" قد تماثل "أمازون" ولكن الحقيقة من حيث الثروة مثل الفرق بين الأرض والسماء السابعة. روسيا على قدراتها الكبيرة في إفناء الأرض ليس لديها الكثير لإحيائها، فلا توجد سيارة أو تليفون أو كمبيوتر روسي ينافس مثيلاته الأخرى حتى في دول ليست عظمى مثل كوريا الجنوبية. بريطانيا مشغولة بالخروج من الاتحاد الأوروبي، وفرنسا تنافس ألمانيا على قيادته، وألمانيا لا تصدق أنها في النهاية قد تكون انتصرت في الحرب العالمية الثانية التي كان الهدف الألماني منها السيطرة على القارة، والآن بعد أن خرجت بريطانيا فإنها لا تدري ماذا تفعل في التعامل مع ٢٧ دولة ولديها أزمات من كوفيد إلى الاقتصاد. الخلاصة هي أن الولايات المتحدة هي أهم بلد في العالم، وأن دونالد ترامب رئيسها هو أهم شخصية، وخلال الأيام القليلة المقبلة سوف تنهمر مئات الاستطلاعات للرأي العام، وباختصار فإن الانتخابات الرئاسية الأمريكية ربما لا يوجد ما يمثلها في القوة الناعمة في دول أخرى، لا الانتخابات الخاصة بالرئيس الصيني أو الروسي أو الفرنسي أو المستشارة الألمانية تخلق تلك الحالة من الإثارة والسبق والترقب التي تحدث في الانتخابات الأمريكية.
الآن في هذه الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية فإن المواطن الذكي والمتابع للأحداث العالمية سوف يكون قد مر بتجربة المناظرات ما بين المرشحين: ترامب وبايدن. والأرجح أنه لم يعرف من الذي فاز في المناظرة الأولى، ولن يعرف بعد ذلك فقد كان هناك الكثير من الخلاف عما إذا كانت هناك مناظرة بالفعل أم كان هناك تعبير عن حالة من الخصام الكبير ليس بين ترامب وبايدن وإنما بين الرئيس الأمريكي والأغلبية من وسائل الإعلام الأمريكية التي صممت من قبل في عام ٢٠١٦ على منعه من الوصول إلى البيت الأبيض وفشلت، وأنها تحاول الآن منعه من البقاء فيه أربع سنوات أخرى. المناظرة الثانية لم تتم، أو حدثت بطريقة منفصلة حيث توجه كل مرشح إلى جمهور منفصل لكي يقول له ما قاله طوال الحملة الانتخابية من قبل، وفي الحقيقة أنه في هذه المرة، وبدون المناظرة والمواجهة المباشرة، كانت القدرة على بلورة المواقف والفارق بين المرشحين أكثر وضوحا من كل مرة. المشكلة في المناظرات الرئاسية الأمريكية أنها كثيرا ما تحضر الشيطان بين المرشحين والذي هو أجهزة الإعلام التي ترغب في إشعال الحرائق وليس الحصول على المعلومات والبحث عن المعرفة بمستقبل البلاد. المناظرة الثالثة كانت متعجلة، فلم يبق وقت طويل على يوم الثالث من نوفمبر حين يصير على كل الأمريكيين الإدلاء بأصواتهم، ولم تعد هناك حاجة للاحتكام لمناظرة يصل فيها ترامب إلى الجمهور بأكثر من منافسه، وتهلل شبكات التلفزيون بفوز المنافس على أية حال.
على أية حال أيضا فإن المتابع للانتخابات الأمريكية سوف يعرف الفارق بين الأصوات الشعبية وأصوات المجمع الانتخابي. الولايات المتحدة كما هو معروف عدد سكانها ٣٣٠ مليون نسمة يسكنون خمسين ولاية تتفاوت في أمور كثيرة منها عدد السكان، وهذا العدد هو الذي يقرر لكل ولاية أصواتها في المجمع الانتخابي لأن الحقيقة الأساسية الكبرى للدولة هي أنها دولة متحدة اتحادا فيدراليا تتفاوت فيه أصوات الولايات حسب حجمها السكاني. داخل كل ولاية يفوز المرشح بكل أصوات الولاية إذا ما حصل على ٥٠٪+١ من الأصوات. ولذا فإنه من المتصور أن يفوز مرشح بأغلبية التصويت الشعبي إذا ما حصل على أغلبية ساحقة في عدد أقل من الولايات ولكنها كثيفة السكان فيحصل على ما هو أكثر من الأغلبية المطلوبة ولكنه يخسر الانتخابات لأن هناك الكثير من الأصوات التي لا تترجم في المجمع للانتخابي الذي هو الحصول على ٢٧٠ صوتا. الأمثلة الأخيرة لهذه المفارقة جرت عندما فاز جورج بوش الابن الجمهوري على آل جور الديمقراطي عام ٢٠٠٠ لأنه حصل على أغلبية المجمع المطلوبة بينما غريمه حصل على أقل منه حتى وهناك فارق في التصويت الشعبي قدره ثلاثة ملايين صوتا. حدث ذلك أيضا في الانتخابات الماضية ٢٠١٦ عندما فاز ترامب على هيلاري كلينتون رغم نفس الفارق. وفي الحالتين فإن جمهورا في الحزب الديمقراطي حاول السعي لجعل الانتخابات قائمة على التصويت الشعبي دون جدوى.
إذا كنت قد علمت هذا الدرس فإن هناك درسا آخر لا يقل أهمية. فهناك 50 ولاية أمريكية، لكن قلة قليلة فقط يمكنها أن تقرر من الفائز في الانتخابات، نظرًا لأن معظم الولايات تميل بالفعل بشدة إلى المحافظين أو الليبراليين، ولذا فإن الرئيس دونالد ترامب والمرشح الديمقراطي جو بايدن سيقضيان الأسبوعين الأخيرين من الحملة في استهداف ساحات المعارك الانتخابية في هذه الولايات الحرجة حيث يكون تحويل بضعة آلاف من الناخبين أمرًا بالغ الأهمية لاكتساح دعم ولايتهم في المجمع الانتخابي. ومن المرجح أن تقرر الولايات التسع أدناه من يعيش في البيت الأبيض بعد ٢٠ يناير ٢٠٢١: ميتشجان ١٦ صوتا؛ ويسكونسون ١٠ أصوات؛ آيوا ٦ أصوات؛ أوهايو ١٨ صوتا، بنسلفانيا ٢٠ صوتا؛ كارولينا الشمالية ١٥ صوتا؛ جورجيا ١٦ صوتا؛ أريزونا ١١ صوتا؛ وفلوريدا ٢٩ صوتا. هذه الولايات جميعها فاز بها ترامب على هيلاري كلينتون وكانت هي الحاسمة في تحديد النتيجة. ومن المهم معرفة أن هذه الولايات تتكون من مقاطعات، وتتوقف توجهاتها عادة عما إذا كانت ذات طبيعة زراعية أو صناعية، حضرية أو ريفية، ونوعية الجامعات ومراكز البحوث ومراكز الشركات الكبرى. وفي العادة فإن الأغلبيات السكانية في هذه المقاطعات هي التي تحدد تصويت الولاية. ورغم أن استطلاعات الرأي تشير إلى تغيرات في هذه الولايات التسع، ولكن هذه الاستطلاعات ذاتها كانت هي التي حسمت الانتخابات السابقة لصالح هيلاري كلينتون ومع ذلك تمكن ترامب من هزيمتها.
الأيام القليلة الباقية على الانتخابات سوف تكون حاسمة في تغيير مواقف الولايات المتأرجحة لصالح هذا الطرف أو ذاك، ولا يوجد ما يؤكد أن هناك أغلبية كبيرة لأي منهما. ولكن ترامب لديه مجموعة أوراق هامة قد تحسم النتيجة لصالحه. أولها أنه في ٢٩ أكتوبر قبل أربع أيام من الانتخابات سوف تظهر أرقام الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي في الربع الثالث من هذا العام. المتوقع أن تكون هذه الأرقام إيجابية للغاية قد تصل إلى ٣٠٪ بعد أن بدأ الاقتصاد الأمريكي في استرداد عافيته بعد تراجع في الربعين الأول والثاني نتيجة وباء الكورونا الذي نتج عنه زيادة هائلة في البطالة. وثانيها أن هناك إمكانية لتحقيق انتصارات في السياسة الخارجية خاصة في الشرق الأوسط حيث تسعي إدارة ترامب لدعم الاتجاه نحو السلام الذي قادته دولة الإمارات وتبعتها دولة البحرين ومن ثم السودان. ومن ناحية أخرى أرسلت الولايات المتحدة مبعوثا أمريكيا إلى دمشق من أجل إطلاق سراح رهائن أمريكيين، والنجاح في هذه المهمة سوف تكون له نتائج إيجابية لصالح الرئيس ترامب. ورغم أن السياسة الخارجية ليست هي التي تحسم اتجاه التصويت في الانتخابات الأمريكية التي تهمن عليها الأمور المحلية، والاقتصاد في مقدمتها، فإنه في انتخابات سوف تحسم نتيجتها بالنقاط فإن كل نقطة إضافية فيها سوف تكون في صالح الرئيس.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة