يفضل المحللون عند دراسة أو مراقبة ظاهرة سياسية معينة خاصة الانتخابات، أن يتم وضع كل الاحتمالات قيد البحث وخاصة السيناريو المستبعد.
تبدأ اليوم الثلاثاء، عملية التصويت المبكر للانتخابات الأمريكية لاختيار الرئيس المقبل بولاية فلوريدا التي يفضلها دائماً الديموقراطيون، وهو ما يعني بالنسبة لباقي دول العالم إما عهدا رئاسيا جديدا بقيادة الديموقراطي جو بايدن، أو الاستمرارية مع الرئيس الحالي دونالد ترامب، ما يعني أن كل الاحتمالات أو السيناريوهات يفترض أن تكون متوقعة بما فيها غير المحتملة.
يعتبر منهج السيناريوهات الأساس في طبيعة عمل مراكز الدراسات، وهو عمل شائع في الدول المتقدمة ليس في السياسة فقط، ولكن أيضا في التعامل مع كل الظواهر الاجتماعية التي لا يمكن حسمها "بالتجربة العملية"، ولأن التعامل مع الانتخابات هو تعامل مع الأمزجة البشرية التي تقرر مصير المرشحين، فعليه يكون وضع تصور للتعامل معها أفضل طريقة.
في رسم السياسات وخاصة الخارجية، فإن كل الاحتمالات واردة ولا يمكن الرهان أو الجزم على سيناريو معين خاصة في لعبة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، فكثيراً ما خذلت النتائج النهائية المراقبين والمحللين السياسيين وما زلنا نذكر فوز الرئيس السابق باراك أوباما، الذي اعتبر في الفترة الرئاسية الأولى "ضربة حظ" كونه من أصول أفريقية، وهذا كان كافياً للبعض بأن يستبعده من سيناريوهاته، ثم جاءت الفترة الثانية لتؤكد أن الانتخابات الأمريكية حتى وإن صدقت توقعات المحللين فهي ليست إلا من باب "كذب المحللون ولو صدقوا".
الأمر نفسه تكرر مع الرئيس دونالد ترامب قبل أربع سنوات عندما اعتقد الكثيرون أن عدم اهتمامه بالسياسة الخارجية قد يحول بينه وبين الفوز ضد هيلاري كلينتون، التي كانت تشغل منصب وزيرة الخارجية الأمريكية ولها حضورها الدولي والداخلي في الولايات المتحدة، ولكن حدث ما لم يكن متوقعاً حيث فاز ترامب ويومها برز كظاهرة سياسية عرفت بـ"ظاهرة ترامب"، لأنه اخترق كل قواعد ديموقراطية الأمريكية من كونه لم يكن ينتمي لحزب في البداية ثم الأفكار والتوجهات السياسية التي طرحها والتي بنى عليها المحللون مواقفهم.
لذلك يفضل المحللون عند دراسة أو مراقبة ظاهرة سياسية معينة خاصة الانتخابات، أن يتم وضع كل الاحتمالات قيد البحث وخاصة السيناريو المستبعد وغير المتوقع على اعتبار أنه لو حدث فسيكون هناك استعداد للتعامل مع الوضع بأقل الخسائر والتداعيات، ولو تتبعنا ما يحدث في الولايات المتحدة حالياً فإن فوز بايدن ليس ملغيا تماماً، بل هو احتمال قائم، لكن في الوقت نفسه فإنه لا يعني أن الأمر سيكون بسهولة، فالخصمان لديهما حظوظ قد تكون متقاربة، وسيبقى مزاج الناخب الأمريكي متقلبا لحين حسم النتائج في اللحظات النهائية، لذلك علينا عدم استبعاد حصول مفاجأة.
الناس في العالم "بما فيهم السياسيون وحتى في الدول الأوروبية" منقسمون بين "متهيء" للتجديد للرئيس الحالي دونالد ترامب، خاصة من الذين تأذوا من وصوله للسلطة ولكنهم لا يعرفون هل سيصل مرة ثانية أم لا، وبين من يفضل أن يكون الديموقراطي جو بايدين هو الرئيس الجديد، ولعل إيران وتيار "الإخوان المسلمين" على رأس قائمة من يتمنى أن يكون هو القادم، ولكن الأصح والأكثر دقة يتمثل في الاستعداد للتعامل مع أي شخص يصل إلى البيت الأبيض لأنه في النهاية سيكون هو الشخص الذي عليك أن تتعامل معه.
لو استعرضنا بعض المفاجآت التاريخية التي حدثت مع لعبة الانتخابات في العالم وليس في الولايات المتحدة فقط، يتأكد لنا أهمية وضع السيناريو الأسوأ في الاعتبار، ليس من منطلق الإيمان بالسلبية وعدم التفاؤل، ولكن من باب التعامل بمنطقية مع كل الاحتمالات، فقد فاز أدولف هتلر بالانتخابات في الثلاثينات من القرن الماضي وحقق أوباما الفوز مرتين مع أنه كان مستبعداً فيهما، كما أن التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يصب في ناحية أخذ العبر والدروس وعدم الركون إلى الأمنيات لحين حدوث المفاجأة وبعدها يبدأ العمل وفق النظرية التقليدية، رد الفعل.
إلى الآن لم يتم التطرق من أي من المرشحين ترامب أو بايدين إلى السياسة الخارجية لهما تجاه دول العالم ومنها منطقتنا، أو تجاه القضايا التي تهمنا كعرب وخليجيين إلا من واقع ما تختزنه ذاكرتنا السياسية من مواقف. وإذا افترضنا جدلاً أن توقعاتنا من المرشح الجمهوري تجاه إيران والإخوان المسلمين واضحة مع أنه ليس شرطاً أن تستمر خلال الفترة الثانية، فكيف سيكون موقف العرب إذا ما فاز الديموقراطيون وخاصة بايدين، الذي كان نائباً للرئيس أوباما خلال فترة ماسمي بالربيع العربي؟! .. الأصوب والأدق هو وضع كافة الاحتمالات فوز ترامب أو فوز بايدن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة