نظام أردوغان يجب أن يعي جيداً أن سلوكياته العدائية تجاه دول المنطقة وشعوبها له ثمن باهظ.
لاقت الدعوات التي أطلقها بعض الأشقاء في المملكة العربية السعودية لمقاطعة المنتجات التركية رواجاً وانتشاراً واسعين، ولاسيما بعد مطالبة رئيس الغرفة التجارية السعودية التجار والمواطنين والمستثمرين بمقاطعة المنتجات التركية، سواءً على مستوى الاستيراد أو الاستثمار أو السياحة، نتيجة ما وصفه بـ"السياسات المعادية للسعودية" التي ينتهجها النظام التركي. ويمكن ملاحظة ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي التي تصدر فيها وسم "#حظر_المنتجات_التركية" قائمة الأعلى تداولا فيها ليس في السعودية وحدها ولكن في دول خليجية أخرى مثل دولة الإمارات ومملكة البحرين، كما يمكن ملاحظته على أرض الواقع مع التراجع الملحوظ من قبل المستهلكين على شراء البضائع والسلع التركية وتراجع التجار عن استيراد المنتجات التركية.
لا نحتاج إلى مبررات لتفسير سبب هذا الانتشار الواسع لحملة مقاطعة المنتجات التركية على المستوى الشعبي، فالمواطنون الخليجيون عامة والسعوديون خاصة، وبل وكثير من الشعوب العربية، يشاهدون الممارسات العدائية التركية ضد بلدانهم، ومساعي نظام أردوغان الحثيثة لتهديد أمن واستقرار دول المنطقة ورفاهية شعوبها، سواء عبر دعم الإخوان المسلمين والجماعات الإرهابية الأخرى، أو من خلال إرسال المرتزقة المتطرفين إلى ساحات الصراعات في المنطقة لتأجيجها، أو حتى من خلال التدخلات العسكرية الفجة في بعض الدول العربية، وغيرها من الأساليب التي جعلت تركيا من أهم عوامل عدم الاستقرار والفوضى في المنطقة في السنوات الأخيرة. فكيف نتوقع من المواطن العادي، الخليجي والعربي، الذي يشاهد هذه الممارسات العدائية، أن يستمر في دعم الاقتصاد التركي، من خلال استيراد واستهلاك السلع والمنتجات التركية أو السفر لتركيا بغرض السياحة، وهو يعلم أن هذا الدعم الاقتصادي سيوجه لمزيد من هذه السلوكيات العدائية بحق بلاده ومصالح وطنه وأمته.
إن التوقف عن دعم الاقتصاد التركي من خلال استيراد السلع التركية والاستثمار في تركيا والسياحة فيها هو أقل واجب يمكن أن يؤديه المواطن السعودي والخليجي رداً على هذه الممارسات، وهو سلاح لو تعلمون أقوى من الأسلحة العسكرية والاستراتيجية، في عصر أصبح الاقتصاد فيه هو العنصر الأهم من عناصر القوة الشاملة لأي دولة. وهو السلاح الأكثر إيلاماً لتركيا التي يترنح اقتصادها بقوة، وتشهد عملتها الوطنية "الليرة التركية" انهياراً كبيراً، وتتراجع فيها معدلات السياحة، وتتجه أزمتها الاقتصادية نحو مزيد من التفاقم نتيجة تأثيرات جائحة "كوفيد-19".
إن نظام أردوغان يجب أن يعي جيداً أن سلوكياته العدائية تجاه دول المنطقة وشعوبها له ثمن باهظ، كما ينبغي على الشعب التركي أن يدرك أن مثل هذه السياسات ستؤثر على رفاهيته ونمط معيشته، فجزء كبيرة من الطفرة الاقتصادية التي حققتها تركيا في العقد الماضي جاءت بسبب انفتاحها على الدول والشعوب العربية ونمو حركة التجارة والاستثمار معها، وهذا الأمر يسير بسرعة كبيرة في مساره العكسي ليس الآن فقط، ولكن منذ عدة سنوات، بعد أن أظهرت تركيا هذا الوجه العدائي. وهو مايمكن ملاحظته في التراجع الملحوظ بحجم التبادلات التجارية والحركة السياحية بين تركيا ودول الخليج العربية عامة في العامين الماضيين، فعلى سبيل المثال لا الحصر انخفض عدد السياح السعوديين الوافدين إلى تركيا بنسبة 40% خلال عام 2019 مقارنة بالعام السابق له 2018، كما تراجعت السعودية إلى المركز الخامس عشر من بين أكبر أسواق التصدير في تركيا.
لاشك أن المقاطعة الشعبية للاقتصاد التركي ستكون تأثيراتها كبيرة وستبعث برسالة واضحة إلى نظام أردوغان أن سياساته العدائية ثمنها باهظ، ولاسيما إذا اتسعت هذه الحملات الشعبية على النطاق العربي، وهو أمر كفيل بإجبار هذا النظام على مراجعة سياساته المثيرة للتوتر في المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة