من الاحتجاج للموت.. ماذا حدث للمراهقة الإيرانية نيكا شاه كرامي؟
فتاة إيرانية ترتدي ملابس سوداء تقف فوق صندوق قمامة ملوحة بحجابها الذي تشتعل فيه النيران، وسط هتافات "الموت للديكتاتور".
وبعد لحظات، بحسب مقطع فيديو، تجلس لتلتقط حجابا آخر من أحد الأصدقاء، وتشعل فيه النيران أيضًا أمام المحتجين.
تلك الفتاة هي نيكا شاه كرامي (16 عاما)، من طهران، والتي اختفت لفترة بعد تصوير هذه المشاهد في 20 سبتمبر/أيلول.
وبعد أكثر من أسبوع من اختفاء كرامي التي انتشر مقطع الفيديو الخاص بها على الإنترنت، علمت عائلتها أنها ماتت.
وزعمت السلطات الإيرانية أنه تم العثور على جثمان نيكا كرامي خلف فناء صباح يوم 21 سبتمبر/أيلول. لكن لم يُسمح لوالدتها بالتعرف عليها إلا بعد 8 أيام.
وأظهرت لقطات كاميرات المراقبة التي نشرتها السلطات بعد منتصف ليل 21 سبتمبر/أيلول، شخصا ملثما قالوا إنها نيكا كرامي تدخل مبنى غير مأهول، ولا يزال قيد الإنشاء في طهران.
وقال مدعي عام في طهران في البداية إنها تُوفيت بعدما دٌفعت من فوق سطح المبنى، وإن وفاتها "ليست مرتبطة باحتجاجات" ذلك اليوم.
لكن، وبالرغم من إعلان السلطات أن وفاتها على ما يبدو نتيجة جريمة قتل، لم تعلن السلطات وجود مشتبه بهم قيد التحقيق.
فيما قالت شبكات إذاعية حكومية إن المراهقة "سقطت"، لكن دون تقديم أدلة تدعم الادعاء بأن الوفاة كانت نتيجة حادث.
يوم الأربعاء الماضي، وبعدما طلبت "سي إن إن" تعليق الحكومة على الأدلة في هذا التحقيق، اقتبس تقرير إعلامي إيراني عن مدعي عام في طهران قوله إن وفاة نيكا كانت انتحارا.
ولم ترد السلطات الإيرانية على طلبات الشبكة الأمريكية المتكررة بشأن وفاة المراهقة.
ولم توضح السلطات مطلقا سبب دخول نيكا ذلك المبنى بمفردها، وقالت والدتها إنها لا تعتقد أن الشخص الملثم هو ابنتها. وأعربت عن اعتقادها بأن كرامي قتلت على أيدي السلطات.
ولم تكشف السلطات أبدا ما إذا كانت احتجزت كرامي بأي مرحلة، لكن عشرات من مقاطع الفيديو وروايات شهود العيان التي حصلت عليها "سي إن إن" حصريا، تشير إلى أن المراهقة على ما يبدو كانت تتعرض للملاحقة الأمنية واحتجزتها قوات الأمن الإيرانية ليلة تصوير مقطع الفيديو.
وقالت شاهدة رئيسية، لشبكة "سي إن إن"، إنها شاهدت اعتقال كرامي خلال الاحتجاجات من قبل "العديد من ضباط الأمن الذين كانوا يرتدون ملابس مدنية" ووضعها داخل سيارة.
وقبلها بلحظات، صورت هذه الشاهدة، بينما كانت عالقة في زحام طهران، مقطع فيديو تظهر فيه كرامي مختبئة خلف سيارة بيضاء، وتردد "لا تتحرك، لا تتحرك" لسائقها.
وأكد 7 أشخاص كانوا يعرفون كرامي وتحدثوا مع "سي إن إن" أنها كانت هي التي تختبئ خلف السيارة.
ويظهر نفس المقطع الذي تم تصويره الساعة 8:36 مساء يوم 20 سبتمبر/أيلول، شرطة مكافحة الشغب على دراجات نارية تقوم بدوريات في المنطقة.
وقالت الشاهدة الرئيسية لادان: "أردت إنقاذها، لكنني لم أتمكن من ذلك. كان هناك حوالي 20 أو 30 من الباسيج على درجات نارية على الرصيف. كانت شاه كرامي تلقي الحجارة عليهم".
وتابعت "كنت خائفة وحتى مررت من أمامها وقولت: احذري يا عزيزتي! لأنه كان هناك عدد من ضباط الشرطة يمرون على السيارات بحثا عنها"، ثم وصلوا إليها.
تواصلت لادان مع "سي إن إن" بعدما أدركت أن المراهقة التي صورتها وتحدثت معها كانت الفتاة التي أُعلنت وفاتها بعدها بأيام.
فيما تحدثت الشبكة الأمريكية مع عدة شهود كانوا موجودين باحتجاجات طهران في 20 سبتمبر/أيلول.
وتعتبر مقاطع الفيديو الأخرى، بما في ذلك التي تحتوي على إشعال النيران في الحجاب، أدلة على أن كرامي كانت في مقدمة الاحتجاجات في وقت مبكر من الليل، قبل بدء القمع، وكانت تقود بلا خوف الهتافات وترشق بالحجارة، بحسب عدة شهادات.
وكان ذلك ليجعلها هدفا لقوات الأمن، بما في ذلك عناصر الباسيج، حين بدأوا التوافد على المنطقة حول جامعة طهران وشارع كيشافارز، حيث تجمعت معظم الاحتجاجات في المساء، بحسب شهود.
وقالت نجمة، وهي متظاهرة كانت مع كرامي في الاحتجاجات: "أتذكر مدى شجاعتها، لأنها صعدت فوق صندوق القمامة ولم تنزل. كما أشعلت النار في حجابها".
وتستخدم "سي إن إن"، أسماء مستعارة لجميع الشهود حفاظا على سلامتهم.
وأضافت نيما، التي كانت في الاحتجاجات أيضًا: "حرقت حجابها ولوحت به. أخبرتها ألا تلوح به لأنها قد تحرق نفسها، لكنها حملته حتى احترق. ثم أخذت حجابي اثنتين من صديقاتها كانا معها وأشعلت بهما النيران أيضًا".
ومن الساعة السابعة إلى الثمانية مساء يوم 20 سبتمبر/أيلول، كثفت قوات الأمن حملتها القمعية، بحسب شهود. وقال رضا، وهو شاهد آخر: "كانوا يطلقون الغاز المسيل للدموع وكريات الرصاص ويقبضون على المحتجين. كنا جميعا تقريبا نواجههم ونهرب".
وبينما عجت الشوارع بعناصر شرطة مكافحة الشغب والباسيج، بدأ المحتجون في التحرك بجميع الاتجاهات للهرب من القمع.
وقالت شاهدة أخرى، دينا، التي كانت تسير بجانب كرامي، لـ"سي إن إن"، إنها رأت المراهقة أمام محطة وقود ليست ببعيدة عن جامعة طهران، حيث تجمعت مجموعة المحتجين بعد الفرار من الغاز المسيل للدموع الذي أطلقته قوات الأمن.
وأضاف رضا: "رأيت بعيني قوات الأمن تضرب النساء بالهراوات، وسحبوا العديد منهن إلى شاحنات الشرطة".
وفي هذا القمع الشديد للاحتجاجات كانت آخر مرة رأى فيها الشهود الذين تحدثوا مع "سي إن إن"، كرامي، ثم مرت تسعة أيام قبل أن تتلقى أسرتها معلومة رسمية عن وفاتها.
وأثبتت مقاطع الفيديو التي تحققت منها "سي إن إن" وحددت موقعها أن الفتاة، في آخر لقطة ظهرت فيها على قيد الحياة، كانت تطوقها قوات الأمن من ثلاث جهات.
وقالت دينا: "أعتقد أن كرامي اعتقلت تلك الليلة عندما كنا نهرب. لأنها كانت صغيرة جدا".
aXA6IDEzLjU4LjE4LjEzNSA= جزيرة ام اند امز