طبيعة الموقف الأوروبي تجاه قضايا المنطقة عموماً وتجاه تداعيات الاتفاق النووي الإيراني يحتاج إلى تفكيكه والتدقيق فيه.
بالنظر إلى سلوك النظام الإيراني المتغطرس مع كل الدول في العالم، فإن طرح السؤال السابق وترديده يصدم المراقبين والمتابعين للعلاقات الأوروبية - الإيرانية، ولا يطمئن الدول التي تربطها علاقات صداقة ومصالح اقتصادية واتفاقيات متنوعة، خاصة بريطانيا التي تريد أن تعيد ترتيب علاقتها بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وفرنسا المرشحة لتقود أوروبا بعد خروج بريطانيا وألمانيا.
صادم ذلك السؤال، لأنه لا ينبغي أن يطرح أساساً؛ باعتبار أن هذه الدول خبرت النظام الإيراني في إثارة الفوضى في العالم، وفي القمع السياسي والأمني لشعبه ومعارضيه، كما واجه الغرب نفسه تداعيات السياسة الإيرانية في دعم الإرهاب والتطرف في العراق، وحرق السفارة البريطانية قبل عامين تقريباً، وصادم ذلك السؤال أن ما تسعى إليه هذه الدول في العالم هو تحقيق الاستقرار والأمن، وبالتالي فإن الدفاع عمن يهدد الاستقرار لا يطمئن أحداً بمن فيهم الدول الأوروبية نفسها.
ستكون لحظة رائعة وجميلة للمجتمع الدولي، لو نجحت الدول الأوروبية في مساعيها من أجل تعديل سلوك النظام الإيراني، كما يعتقد ماكرون وميركل اللذان ذهبا إلى واشنطن لإقناع الرئيس الأمريكي ترامب بعدم الانسحاب من الاتفاقية النووية أو حتى تشديد العقوبات الاقتصادية عليه
بل إن موقف كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي شارك في الضربة الثلاثية، والمستشارة ميركل يبدو للمراقب من بعيد أنه يصب في صالح الدول التي تعاني من السياسة الإيرانية، وأقصد هنا الدول العربية، إلا أن التفاصيل التي تحملها التصريحات تبدو "ضبابية" ويغلب عليها عدم الوضوح، فأحياناً تكون تصريحات تدعو لمواجهة إيران؛ وأحياناً تكون مع نظام الملالي خاصة بعد تلك اللقاءات التي عقدها محمد ظريف مع المسؤولين في الغرب.
طبيعة الموقف الأوروبي تجاه قضايا المنطقة عموماً وتجاه تداعيات الاتفاقية النووية يحتاج إلى تفكيك والتدقيق فيه -فمرة تشارك في ضربات جوية ضد النظام السوري لتأديب حليفته إيران، ومرة تدافع هذه الدول عن هذا النظام - كي نعرف طبيعة التعامل مع هذه الدول التي تبدو مواقفها معقدة بحجم التعقيد الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط سياسياً وأمنياً.
ينبغي أن يتذكر الغرب بأن النظام الإيراني يجيد شيئين اثنين، الشيء الأول سياسة توزيع الأدوار بين قادته، ففي حين يصعّد قادة الحرس الثوري من خطابهم ضد دول الجوار الجغرافي؛ بما فيهم إسرائيل لدرجة نعتقد أن الحرب ستقوم في هذه اللحظة تبدأها إيران، في مقابل ذلك نجد أن وزير الخارجية الإيراني يخاطب صناع السياسة في مراكز صناعة القرارات السياسي في الغرب بخطاب عقلاني ومنطقي يطرح فيه فكرة إجراء الحوار مع الدول الخليجية لإيجاد الحل لأزمات المنطقة، فيكون هو أقرب للملائكة من الشيطان!!.
الشيء الثاني الذي يحتاج الغرب إلى تذكره: أنه ينبغي الحذر والانتباه من هذا النظام لأنه يجيد مهارة استغلال تناقضات المواقف السياسية، فمثلما نجح في إحداث شق في "الموقف العربي" على مدى الصراع مع العرب، فهو الآن يحاول الاستفادة من التردد الأوروبي والاختلاف بينهما لتوسعة الشق.
من لا يدرك "مكر" السياسة الإيرانية أو يتعامى عنها ويظن أنه يمكن أن تكون إيران دولة طبيعية فسيدفع الثمن غالياً في مجال الاستقرار والتنمية.
ستكون لحظة رائعة وجميلة للمجتمع الدولي، لو نجحت الدول الأوروبية في مساعيها من أجل تعديل سلوك النظام الإيراني كما يعتقد ماكرون وميركل اللذان ذهبا إلى واشنطن لإقناع الرئيس الأمريكي ترامب بعدم الانسحاب من الاتفاقية النووية، أو حتى تشديد العقوبات الاقتصادية خلال أيام من الآن، اعتقاداً منهم أن النظام الإيراني يمكن أن يكون نظاماً طبيعياً.
ولكن لو نظرنا بشمولية حول مصائب النظام الإيراني نجده أنه السبب في كل مشاكل العراق سواء في الاحتراب الطائفي بين سنة وشيعة، أو في عدم عودة هذا البلد العربي إلى وضعه الإقليمي الطبيعي، باعتباره قوة إقليمية تقف صداً للطموحات الإيرانية وفي تخريب الاستقرار في كل من لبنان، وكذلك سوريا ومحاولة التواجد في اليمن، وإذا وسعنا تلك النظرة سنجد أن الأمر لم ينجُ منه الغرب أيضاً من خلال دعم التنظيمات الإرهابية مثل: تنظيم القاعدة وتنظيم داعش بل يصل الأمر إلى معاناة الشعب الإيراني، ما يعني أن الأمر يحتاج توحيد الموقف الدولي ضد ممارسات النظام الإيراني؛ لأنه لا يقل خطورة من أي مهدد للاستقرار العالمي.
الشيء المهم أن النظام الإيراني قتل كل المحاولات الإقليمية للتفاهم معه، والجهود الدولية لتكون دولة طبيعية، وبالتالي فإن أي حديث عن محاولة جديدة لتعديل سلوكه هي نوع من "الضحك السياسي".
بدون تضافر الجهود الدولية ممثلة في إيجاد استراتيجية موحدة هدفها كبح الطموحات الإيرانية؛ بمثل تلك الجهود التي تتشكل لمواجهة التنظيمات الإرهابية الكبرى مثل داعش والقاعدة، فإن علينا أن نكون مستعدين لأضرار كبرى سواء من إيران أم من الشعوب المتضررة من إيران، دفاعاً عن مصالحهم ووقتها فإن تهديد المصالح الغربية قبل الخليجية سيكون أكثر.
تجنب هذا السيناريو المخيف لا يحتاج سوى تفهم المجتمع الدولي، وخاصة الدول الأوروبية المؤثرة في القرار الدولي، لخطر النظام الإيراني وأذرعه السياسية في المنطقة، وبالتالي تمسكهم بموقف موحد ضد الغطرسة الإيرانية!!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة