«رقصة بوغي» تتحدى كليشيهات الحكومة.. فسيلة احتجاج جديدة بإيران
على أنغام أغنية شعبية، انتشر شكل جديد من الاحتجاجات ضد الحكومة الإيرانية، في بعض شوارع البلد الآسيوي، مما أثار مخاوف من إعادة شبح أزمة مظاهرات مهسا أميني، التي وصفت بالتحدي الأكبر للنظام -آنذاك.
ذلك الشكل الجديد، بدأ عندما نشر صاحب كشك صغير في سوق السمك يبلغ من العمر 70 عامًا ويُلقب بـ«بوغي»، مقطع فيديو، يظهر فيه وهو يرقص، مشجعًا الآخرين الذين التفوا حوله، للانضمام إليه.
كان المسن الإيراني الذي يدعى صادق بانا متجدّد، ويرتدي حُلة بيضاء، يتمايل ويتأرجح بقوة. مما دفع مجموعة صغيرة من الرجال، إلى الانضمام إليه، مرددين: «أوه، أوه، أوه، أوه، أوه».
ووفقا لمقاطع الفيديو التي انتشرت بشكل لافت على مواقع التواصل الاجتماعي في إيران، فإن رجالا ونساء في أنحاء مختلفة بإيران، يقومون بتحريك أرجلهم، ويلوون أذرعهم في الهواء، ويرددون سطور الأغنية.
وتقول «نيويورك تايمز»، إن الناس كانوا يرقصون في الشوارع وفي المحلات التجارية وفي الملاعب الرياضية وفي الفصول الدراسية ومراكز التسوق والمطاعم وصالات الألعاب الرياضية والحفلات وفي كل مكان آخر يتجمعون فيه، مشيرة إلى أنه في طهران، توقفت حركة المرور في نفق رئيسي على الطريق السريع لحضور حفل راقص مرتجل على أنغام الأغنية.
تحدي الكليشيهات
وأشارت إلى فتيات شابات ظهرن بشعر مكشوف، وهن يرقصن في الحدائق العامة، فيما قام الشباب بتأدية الرقصة على طريقة «الهيب هوب».
ونقلت الصحيفة الأمريكية، عن محمد أغابور، 32 عاماً، وهو منسق أغان قوله: «من الواضح أن الانضمام إلى اتجاه الرقص هذا يبعث برسالة قوية. إنها طريقة للاحتجاج والمطالبة بالحرية والسعادة».
وفي معظم البلدان، لا يعتبر الرقص والغناء في الأماكن العامة من المحرمات، لكن في إيران، يُحظر الرقص في الأماكن العامة، وخاصة على النساء وبين الرجال والنساء.
ورغم أن تطبيق هذه القاعدة يتم تحديه بانتظام، إلا أن السلطات كانت حازمة في تطبيق القوانين على المخالفين، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن الموسيقى والرقص والغناء أشكال فنية متجذرة بعمق في الثقافة الإيرانية.
لكن نادراً ما تتحول أغنية ورقصة واحدة إلى عمل جماعي من أعمال العصيان المدني، بحسب «نيويورك تايمز»، التي نقلت عن صاحب كشك السمك، الذي يعد أول من نشرت له تلك الرقصة، قوله: «السبب الذي دفعني للرقص هو إسعاد الناس (..) أريد فقط أن يكون الناس سعداء وأن يغيروا مزاجهم».
انتشر مقطع الفيديو الخاص به وهو يرقص ويغني في السوق عندما أعاد أغبور نشر «ريمكس» للأغنية، مع إيقاعات التكنو مع فيديو للرقص الأصلي من مدون محلي ظهر في الفيديو ونشره على صفحته على إنستغرام.
كيف واجهت الشرطة الاحتجاجات الوليدة؟
أعلنت الشرطة المحلية في رشت يوم 7 ديسمبر/كانون الأول أنها ألقت القبض على مجموعة مكونة من 12 رجلاً ظهروا في الفيديو وأغلقت صفحاتهم على إنستغرام وأزالت الفيديو من عدة مواقع إلكترونية.
وعلى صفحة صاحب الكشك الصغير على موقع إنستغرام، والتي كان عدد متابعيها آنذاك نحو 128 ألف شخص، ظهر شعار السلطة القضائية بدلاً من صورته الشخصية. وقد اختفت جميع منشوراته.
وبدلاً من ذلك، جاء في منشور واحد للسلطة القضائية ما يلي: «تم إغلاق هذه الصفحة لإنشاء محتوى إجرامي، وتم التعامل مع الشخص الذي شارك في النشاط».
وقال شخص مقرب من صاحب الكشك، والذي كان مطلعاً على تفاصيل الاعتقالات وطلب عدم نشر اسمه، في مقابلة هاتفية من رشت إن قسم المخابرات المحلية التابع للحرس الثوري قام باستدعاء الرجال وبعد ذلك استجوبه لعدة ساعات.
وأوضح أنهم (الشرطة) عصبوا أعينه، وهددوه باتخاذ إجراءات قانونية، وأجبروه على التوقيع على تعهد بأنه لن يغني أو يرقص علناً مرة أخرى.
وبحسب المصدر المحلي، فإنه في إطار حملة القمع، حشدت الشرطة موسيقيي الشوارع الذين كانوا يؤدون عروضهم في رشت، واعتقلت بعضهم وصادرت آلاتهم الموسيقية.
وقال ماهان، وهو طبيب يبلغ من العمر 50 عاماً في مدينة رشت، طلب عدم ذكر اسمه الأخير: احتشد الناس، وصوروا أنفسهم وهم يرقصون على الأغنية في كل مكان، مقلدين حركات رقص السيد بانا متجدد. وقاموا بنشر مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي وتداولوها على نطاق واسع على تطبيقات مثل واتساب، واصفين إياها بـ«حملة السعادة».
وقد حقق الريمكس الخاص بالأغنية، الذي قام به أغابور، والذي يتضمن الرقصة الأصلية، 80 مليون مشاهدة منذ أن نشرها على صفحته على «إنستغرام» في الأول من ديسمبر/كانون الأول. ونشرت الصحف المحلية قصصا على الصفحات الأولى تشكك في الحكمة من حملات القمع، قائلة إنها جاءت بنتائج عكسية من خلال التسبب في انتهاك محرج لقواعد الحكومة. ووصفها محمد فاضلي، عالم الاجتماع البارز، بأنها «هزيمة أثناء المناورة وكارثة ذاتية الصنع».
صناعة معارض؟
«كيف نصنع ناشطاً معارضاً من مغنٍ بسيط؟، هذا ما جاء في أحد العناوين الرئيسية في صحيفة «فرهيختيجان» المحافظة، والتي نقلت عن بعض المسؤولين ورجال الدين قولهم إن رد الفعل الشرس يظهر أن إيران لا تتفق مع الرأي العام.
وقال عزة الله زرغامي، وزير السياحة والقائد السابق للحرس الثوري الذي عمل لسنوات: «إذا أعرب رجل عجوز عن بعض السعادة خارج متجره، فإننا نعتبره مجرمًا، لكن إذا رقص خلال احتفالاتنا الدينية، فسيتم الثناء عليه».
وأصبحت الاحتجاجات الراقصة منتشرة للغاية، حتى إن الصفحة الرسمية باللغة الفارسية للاتحاد الآسيوي لكرة القدم، والتي تضم ما يقرب من 4 ملايين متابع، نشرت مجموعة من مقاطع الفيديو لبعض نجوم وفرق كرة القدم الإيرانية وهم يرقصون ويهتفون على أنغام الأغنية.
وتراجعت الحكومة عن قرارتها، وأصدرت الشرطة في مقاطعة جيلان بيانا يوم الإثنين نفت فيه اعتقال بانا متجدّد، وأعادت تفعيل صفحته على «إنستغرام» بكل منشوراتها السابقة الخاصة بالرقص والغناء.
وتدفقت القنوات الإخبارية المحلية لإجراء مقابلات معه، وفي أحد مقاطع الفيديو، التي يقول البعض إنها ربما كانت تحت «الضغط»، يقول إنه لم يتم القبض عليه.
ولدى الآن بانا متجدد ما يقرب من مليون متابع على صفحته على «إنستغرام»، وقد أشاد به العديد من الإيرانيين باعتباره بطلاً قومياً أثار عن غير قصد دعوة متجددة للتغيير.
aXA6IDUyLjE0LjYuNDEg جزيرة ام اند امز