تدخلات إيران تعرقل الانتخابات المبكرة في العراق
تنظيم انتخابات مبكرة يشكل مطلبا رئيسيا من مطالب المحتجين الذين يعتصمون في ساحات بغداد ومحافظات جنوب العراق
سيطرت المليشيات الإيرانية على مفاصل الدولة والأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد وانعدام نية الأطراف السياسية لاستكمال قانون الانتخابات عوائق تقف في طريق الحكومة العراقية الجديدة لتنظيم انتخابات مبكرة.
وفي مقاله الأسبوعي الذي نشر في عدد من الصحف العراقية الأسبوع الماضي، أكد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أن "المهمة التي أنيطت بي هي عبور المرحلة الانتقالية بأسرع وقت ممكن، والاستجابة إلى مهام ملحة مباشرة، أبرزها إنجاز قانون الانتخابات مع ما يتطلب من تدقيق أو تعديلات، والانتهاء من الصيغة النهائية لقانون المفوضية العليا للانتخابات، وتأمين كل ما يلزم لإجراء الانتخابات في أقرب وقتٍ ممكن".
وأشار الكاظمي إلى أن "إجراء الانتخابات يتطلب التعاون مع ممثلية الأمم المتحدة والمراقبين المحليين والدوليين، والتأكد وضع الأسس الصحيحة لإجراء الانتخابات في جوٍ سياسي وأمني يضمن نزاهتها وعدالتها".
ورغم أن مجلس النواب صوت نهاية عام ٢٠١٩ على قانون الانتخابات الجديد إلا أنه لم ينه الجدل على القانون في الشارع، ورفضه المحتجون، واعتبروه لعبة إيرانية جديدة لإعادة الكثير من الوجوه القديمة المتهمة بالفساد إلى العملية السياسية.
ويتضمن قانون الانتخابات الجديد عدة تعديلات، تمثلت بإنهاء نظام التمثيل النسبي، وحل محله نظام الترشيح الفردي في دوائر انتخابية متعددة.
كما ألغيت آلية احتساب الأصوات حسب نظام سانت ليغو، وقسمت المحافظات العراقية إلى دوائر على أساس الأقضية، وخصص مقعدا برلمانيا لكل ١٠٠ ألف نسمة في تلك الأقضية.
ولعل أبرز ما أثار حفيظة المتظاهرين والناشطين العراقيين في القانون اعتباره القضاء دائرة انتخابية واحدة، فضلا عن احتساب المرشح الحاصل على أعلى الأصوات من بين المرشحين الآخرين "الفائز"، مهما كان عدد الأصوات التي حصل عليها.
كذلك حرمان النازحين والمغتربين وسكان العشوائيات من التصويت، لأنهم لا ينتمون إلى قضاء معين من الأقضية العراقية، وإهدار مئات الآلاف من الأصوات.
ومع أن تنظيم انتخابات مبكرة يشكل مطلبا رئيسيا من مطالب المحتجين العراقيين الذين يعتصمون في ساحات بغداد ومحافظات جنوب العراق منذ الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضين إلا أن ساحات الاحتجاجات ترفض أي انتخابات في ظل بقاء العملية السياسية الحالية ووجود المليشيات الإيرانية.
وقال هادي زيد الناشط المدني، أحد منظمي الاحتجاجات في جنوب العراق، لـ"العين الإخبارية": "نحن ما زالنا نطالب بانتخابات مبكرة لكن يجب أن تنظم بعد حل البرلمان وإلغاء العملية السياسية والأحزاب والمليشيات، في ظل مفوضية انتخابات مستقلة وقانون انتخابات عادل".
وتابع القول: "كما يجب أن تجرى الانتخابات في ظل حكومة مؤقتة يقودها شخصية مستقلة غير جدلية ووزراء مستقلين مقبولين من قبل ساحات الاعتصام لم يكونوا من المشاركين في العملية السياسية منذ عام ٢٠٠٣، ويجب أن تكون هذه الانتخابات بإشراف دولي"، مشيرا إلى أن هذه الشروط لم تتحقق لذلك أي انتخابات في ظل هذه المليشيات والأحزاب لن تكون نزيهة وستعود هذه المليشيات والأحزاب الحالية مجددا للسلطة.
ورغم تأكيد البرنامج الحكومي للكاظمي على أن تنظيم الانتخابات المبكرة سيكون ضمن أوليات الحكومة الجديدة، لكن نائبا عن إئتلاف سائرون النيابي المدعوم من رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، كشف لـ"العين الإخبارية" مفضلا عدم ذكر اسمه، عن أن "الكتل السياسية في مجلس النواب العراقي خصوصا التابعة لإيران تسعى إلى أن تستكمل حكومة الكاظمي ما تبقى من الدورة الانتخابية الحالية التي ستنتهي عام ٢٠٢٢.
وأشار إلى أن ما تتداوله حاليا الكتل السياسية عن إجراء انتخابات مبكرة هو فقط للتخلص من ضغط الشارع ففي الحقيقة لن يشهد العراق انتخابات مبكرة.
من جهته، اعتبر محمد الكربولي النائب عن كتلة تحالف القوى العراقية أن الإصرار على تسيس مفوضية الانتخابات سيعمق من ضعف ثقة الشعب بالعملية السياسية ومخرجاتها.
وأضاف الكربولي، في بيان، أن "الجهة السياسية التي أصرت على تمرير أسماء معروفة بولائها لأحزابها أكثر من ولائها للعراق ستكون هي المسؤولة الأولى عن زيادة تأزيم الوضع السياسي في العراق".
وأشار إلى أن إصلاح العملية السياسية التي وصفها بـ"العرجاء" تبدأ من إصلاح الدهاليز المظلمة في مفوضية الانتخابات ممثلة بقياداتها الوسطى، واستبدال السقيم بالعليل سيؤدي لولادة عملية سياسية كسيحة تماماً.
وأكد أن "التغيرات الجديدة في مفاصل مهمة من مفوضية الانتخابات جاءت على وفق نفس المواصفات القديمة التي انتفض عليها الشعب، بالتالي فإن نتائج الانتخابات سترسب مرة أخرى في إمتحان كسب ثقة العراقيين".
ويرى مراقبون للشأن العراقي، أن مفوضية الانتخابية تحتاج إلى نحو ٢٤٨ مليون دولار لإجراء الانتخابات المبكرة وهو نفس المبلغ الذي طلبت المفوضية تخصيصه لها في الانتخابات التشريعية الماضية التي شهدها العراق في مايو/أيار من عام ٢٠١٨، فضلا عما ستنفقه الأحزاب المشاركة من أموال على حملاتها الانتخابية التي تعتمد على خزينة الدولة.
لكن الأمر مختلف هذه المرة، فخزينة البلد وبحسب تصريحات المسؤولين الحكوميين شبه خاوية وسط انخفاض أسعار النفط وتفاقم العجز في الموازنة العامة، إضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة ومستويات الفقر.
وشكك الخبير السياسي العراقي علي أغوان من قدرة الحكومة على تنظيم الانتخابات المبكرة، قائلا لـ"العين الإخبارية"،: "حتى الانتخابات التي من المقرر أن تنظم في عام ٢٠٢٢ ستواجه العرقلة لأسباب عدة في مقدمتها عدم وجود إرادة حقيقية من قبل الكتل السياسية داخل مجلس النواب العراقي لاستكمال قانون الانتخابات وقانون الأحزاب لذلك غياب الإرادة يعزز عرقلة إجراء الانتخابات المبكرة".
وأضاف: "فضلا عن ضرورة إقرار قانون المفوضية واختيار المفوضين والأمور اللوجستية وعملية توزيع الدوائر الانتخابية التي تحتاج وبحسب القانون الأول غير المستكمل إلى اجراء تعداد سكاني وهذا يشوبه العديد من الإشكاليات من تحديد الدوائر فهناك الكثير من الدوائر تحتضن مناطق متنازع عليها لم تحسم بعد؛ لذلك عملية التعداد السكاني قد تخلف مشاكل سياسية أخرى".