شهادة إيرانية رسمية عن الأسباب الخفية للتدخل بسوريا
الشهادة وردت في مذكرات حسين همداني القيادي بمليشيا الحرس الثوري، وتم نشرها عقب مقتله في حلب، وترصد أطماع ومخاوف طهران بسوريا
"رسائل الأسماك" لمؤلفه حسين همداني، القيادي بمليشيا الحرس الثوري الإيراني، المقتول في حلب 2015، أول رواية رسمية إيرانية توثق الدوافع الخفية لتدخل نظام الملالي في سوريا.
ويكشف الكاتب -ربما بدون قصد- الدعاية الكاذبة التي ظلت ترددها إيران لتضليل الرأي العام عن الأسباب الحقيقية لتدخلها العسكري في سوريا؛ ومن هذه الدعاية أن سوريا هي "محور المقاومة" و"حائط صد للأطماع الصهيونية".
يجمع الكتاب بين دفتيه مذكرات همداني التي نشرها بعد مصرعه الكاتب "كلعلي بابايى"، وتظهر دور مليشيات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله في مساندة نظام بشار الأسد في قمع المظاهرات التي تطالب برحيله عام 2011، وتفننهما في صنع حرب أهلية، وتضخم دور مليشيا حزب الله حتى بات لها الوصاية الكاملة مع إيران على القرار السوري.
ويوثق همداني دوره الخاص في إنشاء ما يعرف "بقوات الدفاع الوطني السورية" والتي تشبه في تركيبتها قوات "الباسيج" التي نكلت بالإيرانيين خلال الثورة الخضراء عام ٢٠٠٩، وكان همداني نفسه من أوكل إليه مهمة قمع تلك الثورة التي هبت ضد ما وصفته بتزوير الانتخابات لصالح محمود أحمدي نجاد.
سوريا "الرجل المريض" في عين إيران
تلقى همداني اتصالا من قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري يخبره باختياره للذهاب إلى سوريا لمساعدة الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع لمليشيا الحرس الثوري، للسيطرة على الأوضاع في سوريا بعد اختباره ونجاحه في قمع "الثورة الخضراء".
واللافت أنه حين اتخذت إيران قرارها بالتدخل العسكري كان المسؤولون العسكريون السوريون يرفضونه، فهؤلاء طلبوا من إيران العون بالمعدات والإمكانيات فقط، ولم يدر بخلدهم أن تنتهز الفرصة لتتدخل في شؤون الجيش السوري، وتجتاح البلاد بالمليشيات، بحسب ما جاء في المذكرات.
ولكن إيران خدعت السوريين عندما كانت تقول لهم: "نريد أن نهديكم تجربة 8 أعوام من الحرب والتعامل مع الأزمات وأعمال الشغب، فالعدو الذي يحيك المؤامرات ضد بلادكم هو الذي كان يحيكها ضدنا".
وقدم القيادي الإيراني تقريرا لمرشد إيران، على خامنئي، طالبا الإذن بالعودة لإيران لأن السوريين ما زالوا رافضين التدخل الإيراني، ولا يتعاونون بالشكل الكافي مع القوات الإيرانية، لكن خامنئي رفض العوة بشكل حاسم، مصدرا أوامره لسليماني بالقول: "لا يجب أن تعودوا لأن سوريا بلد مريض، ولا يعرف أنه مريض، وهذا ما يجب تفهيمه لرجال الدولة، ويجب عليكم إعطاؤه الدواء ومراقبته".
ووفق همداني فإنه "استطعنا أن نقنع السوريين في النهاية".
وعند التمكن من التواجد بسوريا، أرسل وثيقة عن الأوضاع إلى قائده قاسم سليماني، وجرى الاتفاق في النهاية على وضع السياسات الكلية لمحور المقاومة وسوريا تحت إشراف حسن نصر الله، الأمين العام لمليشيا حزب الله التابعة للحرس الثوري، والذي رد بالقول إنه "يجب إخراج سوريا من المستنقع، ثم بعد ذلك ننظفهم ونطعمهم ونلبسهم ليقرؤوا دروسهم، ويؤدوا عباداتهم، وهذه أول خطة استراتيجية"، وهي إشارة فيما يبدو إلى وضعه خطة لتشييع سوريا بالكامل.
الطريق للحرب الأهلية
ثم اجتمع همداني ببشار الأسد، عارضا عليه خطة تدريب الشباب المؤيدين له، خاصة من اللاذقية وطرطوس وحمص، وجذب آخرين بالدعاية المكثفة عن الاستهداف الصهيوني والأمريكي لسوريا، ثم تدريبهم على العمل المسلح ضد بقية السوريين في معسكرات تابعة لمليشيا حزب الله بحجة مساعدة الجيش السوري.
وبعد إقناع الأسد، ابتدأ التنفيذ، فكان يجتذب أسبوعيا أكثر من 300 شاب، يخضعون لدورات مكثفة على استخدام كل أنواع الأسلحة.
وحتى مقتل همداني 2015 دربت مليشيات إيران 124 فرقة و128 كتيبة و70000 من الشباب الذين كانوا نواة قوات التعبئة التي أخذت على عاتقها تأمين المدن والقرى السورية التابعة للأسد.
ويضيف همداني في مذكراته أن الأسد كان ينوي مغادرة سوريا قبل أن يطلب العون من إيران "فاقترحت عليه فتح مخازن الذخيرة، وتسليح العامة الذين قمنا بتدريبهم".
وأكد تلك الرواية عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، علي آغا محمدي، الشهر الماضي، حين قال إن همداني قال للأسد حين حاصرت المعارضة قصره: "لا تقلق، إذا سمحت بتوزيع 10 آلاف قطعة سلاح بين الشعب وتعبئة الناس في مجموعات سيزول الخطر".
قلق خامنئي من عدوى الثورة
وبعيدا عن الشعارات المعلنة الرنانة حول "محور المقاومة" و"مقاومة الاستكبار الصهيوني والأمريكي"، و"الدفاع عن المراقد المقدسة"، أظهرت مذكرات همداني أسبابا أكثر صحة من التدخل الإيراني في سوريا.
فإلى جانب تشييع كامل سوريا الذي أشارت إليه الكلمات التي نقلها على لسان حسن نصر الله، وضمها إلى محور إيران بشكل تام، أوضحت مذكرات همداني مخاوف طهران من أن تنتقل الاضطرابات في سوريا إلى داخل إيران وتستهدف الملالي.
وفي ذلك قال همداني إن القيادة العليا في إيران رأت عدة منافع تعود عليه من ذلك، فأطلقت اسم عملية الدفاع المقدس عن حدود إيران.
وبحسب وسائل إعلام إيرانية فإن همداني كان المستشار الأعلى لقوات الحرس الثوري، وقائد تلك القوات في سوريا، وبجانب إنشائه مليشيات هناك قام بإعادة هيكلة الجيش السوري.
aXA6IDMuMTQ1LjE3Ni4yMjgg جزيرة ام اند امز