رغم الاختلاف الأيديولوجي العميق بين إيران وتنظيم القاعدة إلا أن نقاط الالتقاء بين الطرفين كثيرة
وثائق أبوت آباد التي تم العثور عليها في مخبأ تنظيم القاعدة عام 2011، والتي تم الكشف عنها بعدما رفعت الولايات المتحدة الأمريكية السرية عن عدد منها، أبرزت معالم الاتفاق المبرم ما بين تنظيم القاعدة وإيران، والذي كان أحد بنوده هو استضافة كافة المقاتلين العرب والأجانب في مدن إيرانية مختلفة، من بينهم قيادات الصف الأول لتنظيم القاعدة وأسرة زعيم القاعدة "ابن لادن". وهذه بنود تكشف عامل الثقة في العلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة الإرهابي، والتي تم نسج خيوطها بالقفز على الاختلاف الأيديولوجي، وإعلاء المصلحة المشتركة بين الطرفين، في الحفاظ على استمرارية الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة، وهو ما يوفر الأرضية الخصبة لمشاريع الطرفين واستمرارية وجودهما وتحقيق طموحاتهما التمددية والتوسعية.
في ظل الضغط السياسي الدولي المتصاعد على إيران، وعودة العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، ومؤخراً تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، نجد أن إيران تسعى لإعادة تنظيم القاعدة من جديد إلى الواجهة، كذراع لنظام الملالي الإيراني لأجل تحقيق طموحاته التوسعية ومواصلة نشاطاته المزعزعة للاستقرار في المنطقة
رغم الاختلاف الأيديولوجي العميق بين إيران وتنظيم القاعدة إلا أن نقاط الالتقاء بين الطرفين كثيرة، وتطغى على الاختلاف الأيديولوجي، بل حتى تسعى لتذويب هذا الاختلاف في بوتقة المصلحة المشتركة بين الطرفين، وتكمن أهدافهما الرئيسية في الحفاظ على المنطقة في حال من عدم الاستقرار والفوضوية المستمرة، وهذا ما يثبت أن العقلية الإيرانية لا تختلف عن عقلية تنظيم القاعدة، فإيران منذ وصول نظام الملالي إلى السلطة عقب عام 1979 وهي لا تزال تحكم بالعقلية الإرهابية وليست بعقلية الدولة، وكذلك المشروع الإيراني التوسعي الذي تسميه "تصدير الثورة" يتطابق مع مشروع تنظيم القاعدة، الذي يسعى للتمدد والتوسع في المنطقة.
مع الانحسار الحاصل في الآونة الاخيرة لتنظيم داعش وسقوط خلافته المزعومة، تبرز العلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة الإرهابي إلى الواجهة، فمن جهة نجد أن القضاء على تنظيم داعش شكل خسارة كبيرة لإيران التي كانت ترى في نشاط هذا التنظيم الإرهابي خدمة للأهداف الإيرانية، لخلق مبررات للوجود على الأرض في سوريا والعراق، ومن جهة يرى تنظيم القاعدة في انحسار تنظيم داعش الإرهابي والذي خرج من رحم تنظيم القاعدة خسارة كبيرة له، على الرغم من الخلاف الذي ظهر على السطح بين الطرفين في فترات سابقة.
ومن جهة أخرى يرى تنظيم القاعدة في انحسار داعش فرصة لا بد من العمل على استغلالها لإعادة "تنظيم القاعدة" للواجهة، والتي تعتبر "الجماعة الأم" التي خرج من رحمها التنظيمات الإرهابية ومن بينها داعش، قبل أن يسعى للانفصال وإعلان خلافته المزعومة، وما يثبت ذلك هو محاولات تنظيم القاعدة للعودة للواجهة إعلاميا، حيث نشر تنظيم القاعدة الإرهابي تسجيلاً مصوراً لأيمن الظواهري، يحث فيه أتباعه ومناصريه على شن هجمات على الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك في الذكرى الـ17 لأحداث 11 سبتمبر، وأيضا بروز "حمزة بن لادن" نجل "أسامة بن لادن"، والذي قالت الخارجية الأمريكية في بيان لها إنه "أصدر رسائل صوتية وأخرى مصورة نشرت على الإنترنت، دعا فيها أتباعه لشن هجمات ضد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، مهددا بهجمات ضد أمريكا ثأرا لمقتل والده في عام 2011".
ومن هنا تبرز نقطة التقاء الطرفين من جديد في إعادة "تنشيط تنظيم القاعدة"، وهو ما تضطلع إيران فيه بدور كبير، والذي يحقق مصلحة مشتركة للطرفين؛ حيث يوفر فرصة للتنظيم للعودة إلى الواجهة ويوفر الفرصة لإيران لضمان عدم استقرار المنطقة، وضمان استمرارية توفر الأرضية الخصبة لاستمرارية المشروع الإيراني التوسعي الإيراني. كما يسهم في خلق مبرر وغطاء لإيران للحفاظ على وجودها، خاصة في العراق وإعادة السيطرة عليها، في وقت يحاول فيه العراق العمل على انتهاج سياسة مستقلة، ويعمل على "إحداث توازن في علاقات العراق الإقليمية"، وهو ما ترفضه إيران التي تريد إعادة العراق إلى فترة ما بعد عام 2003، والتي وصلت إلى ذروتها في عهد نوري المالكي.
ولعل ما يؤكد محاولات إيران لإعادة بعث تنظيم القاعدة من جديد هو ما كشفه تقرير من خبراء الأمم المتحدة أواخر عام 2018 بأن "زعماء تنظيم القاعدة في إيران أصبحوا أكثر نفوذا"، ويعملون مع زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري للتأثير على الأحداث في سوريا، ما يعني أن وجود زعماء تنظيم القاعدة في إيران لا يقتصر على توفير الملاذ الآمن، بل يتخطى ذلك؛ حيث تسعى طهران للاعتماد عليهم والتواصل مع تنظيم القاعدة خارج إيران.
في ظل الضغط السياسي الدولي المتصاعد على إيران وعودة العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، ومؤخراً تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، نجد أن إيران تسعى لإعادة تنظيم القاعدة من جديد إلى الواجهة، كذراع لنظام الملالي الإيراني لأجل تحقيق طموحاته التوسعية ومواصلة نشاطاته المزعزعة للاستقرار في المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة