لعب النظام الإيراني منذ عشرات السنين على محاولة شقّ صف الأمة العربيّة والإسلامية، مستغلا الاختلافات الطّائفية
رغم أن إيران أعلنت عداءها على دول المنطقة والعالم منذ قيام "الجمهورية الإسلامية" بعد ثورة نهاية السبعينيات، إلا أن الدولة الفارسية عمدت إلى مسايرة الرغبات الدولية، ثم المسارعة بالانقلاب عليها، حسب مخطّطاتها، وأحلامها في التّوسّع.
لكن التطوّرات السريعة والاعتداءات التي بادر بها النظام الإيراني خاصّة في مياه الخليج العربي في الأيام الماضية، والتهديدات بإمكانيّة غلق مضيق هرمز وما يشكّله من أخطار على الملاحة المائية والمصالح الدّولية يدعو لاتخاذ قرار سريع، وتحديد لون "العلاقة" أو "الحرب" على إيران التي كانت بمثابة الحرباء لعشرات السنين.
ما زال عمل الحرس الثوري متواصلا في دعم الميليشيات في دول المنطقة لمواصلة "الحرب بالوكالة"، وهو الأسلوب الذي رأته طهران أنسب لها، لإبعاد الأضرار المادّية عن أراضيها، رغم الخسائر الاقتصادية التي يعاني منها الشّعب الإيراني وقمع الحرّيات فيها.
بادرت المملكة العربية السعودية كما عودتنا دائما، إلى استقطاب أصحاب القرار وقادة الدول العربية والخليجية لعقد قمتين طارئتين في مكة المكرّمة، أواخر الشهر الجاري، بدعوة تم الإعلان عنها أمس من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود.
وتأتي هذه المبادرة لتعزّز روح الوحدة العربية، وقوة دول مجلس التّعاون. وخاصّة على إثر التصعيد الإيراني واختراق طهران لكل الاتفاقيّات الدّوليّة التي أبرمتها، ممّا يستوجب اتّخاذ قرارات أكثر صرامة وحدّة لتأمين دول المنطقة ومصالحها.
وقد لعب النظام الإيراني منذ عشرات السنين على محاولة شقّ صف الأمة العربيّة والإسلامية، مستغلا الاختلافات الطّائفية التي حولها إلى خلافات عميقة وتقاتل في المنطقة تحت إشراف سياسي وعسكري مدروس.
ولم تتوقف الاستخبارات الإيرانيّة عن زرع بذور الشّر والعمل تحت العباءة لفرض ما تحت العمامة واستعمال الدّين سلبا لزعزعة المنطقة، والعمل على استغلال أية حركات معارضة، أو خلافات طائفية، كما هو الأمر في العراق خاصة، واليمن، أو تحركات شعبية كما بدأ الأمر في سوريا لتركب أمواجها وتعزز الخلافات.
وتعد المراحل التحريضية هي الاستراتيجيات التحضيرية بالنسبة لطهران، لتصعيد الأوضاع إلى المراحل التي تؤهلها للدخول والتعمق في شؤون الدولة حتى يصبح القرار في يدها.
التعطّش الإيراني للدّماء تحوّل إلى لعنة لم يشمل دول المنطقة فحسب بل أصبح على نطاق عالمي، والتّعنّت ورفض الانصياع إلى قرارات مجلس الأمن والأمم المتّحدة، دفع الولايات المتحدة الأمريكية لاتّخاذ إجراءات أهمها كان رفض الاتفاق النّووي الذي تم التوصّل إليه بعد سنوات من الأخذ والرّد.
ولم يأت التخلّي الأمريكي عن هذا القرار من فراغ، بل بسبب التجاوزات المتواصلة للنظام في إيران، وتحدّياته لكل العقوبات والقرارات الدّولية.
والخطر الحقيقي - الذي حان الوقت أن تتحرّك كل القيادات على المستوى الإقليمي والدّولي لمواجهته- هو أن العداء الإيراني رمادي داكن، فهو لم يكن يوما حربا باردة، ولا هو حرب تقليديّة معلنة.
والأسلوب الإيراني الذي تم اعتماده منذ سنوات هو الحرب بالوكالة، والذي تعتمد فيه على "فيلق القدس" والحرس الثوري الذي لعب دورا أساسيا في العمل على عدم تحقق الاستقرار في المنطقة. فقدم الدعم المادي واللوجستي لكل من الحشد الشّعبي في العراق، و"حزب الله" في لبنان، والحركات الإرهابية على الأرض في سوريا.
كما عمل النظام الإيراني على دفع إرهابيين ومخربين في البحرين لزعزعة استقرار دولة عاشت في انسجام شعبي واجتماعي منذ تأسيسها. ثم حولّ استهدافه إلى اليمن بدعمه للحوثيين الذين يخضعون بشكل كامل لتعليمات الحرس الثوري، وهذا ما جعلهم يعرقلون كل الاتّفاقيات لأن القرار ليس بأيديهم.
وما زال عمل الحرس الثوري متواصلا في دعم الميليشيات في دول المنطقة لمواصلة "الحرب بالوكالة"، وهو الأسلوب الذي رأته طهران أنسب لها، لإبعاد الأضرار المادّية عن أراضيها، رغم الخسائر الاقتصادية التي يعاني منها الشّعب الإيراني وقمع الحرّيات فيها.
وما يؤكد هذا هو ما نقلته "بي بي سي" عن صحيفة الغارديان البريطانية التي نشرت تقريرا عن الملف الإيراني لمراسلها لشؤون الشرق الأوسط مارتن تشِلوف، والذي حمل عنوان "إيران تطلب من الميليشيات الاستعداد لخوض الحرب بالوكالة في الشرق الأوسط".
ويقول تشِلوف حسب "بي بي سي" إن الجريدة علمت من مصادر استخباراتية أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، التقى قادة الميليشيات الخاضعة لنفوذ طهران خلال زيارته الأخيرة للعراق قبل نحو 3 أسابيع وأخبرهم "بالاستعداد لخوض الحرب بالوكالة" على خلفية التصعيد الأمريكي ضد طهران.
ويضيف تشِلوف أن أحد المصادر قال "إنه بالرغم من أن سليماني اعتاد لقاء قادة الميليشيات بشكل مستمر منذ 5 سنوات إلا أن هذا اللقاء الأخير كان مختلفا جدا، لقد كان الأمر أكبر بكثير من مجرد دعوة إلى إشهار السلاح".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة