دراسة تستشرف 2019.. انكماش دوري إيران وتركيا في المنطقة
المركز يؤكد أن ما تتعرض له هذه الدول من أزمات داخلية وضغوطات خارجية سيؤدي لتقلص دورها ويدفعها للبحث عن مسارات بديلة لممارسة نفوذهما
توقعت دراسة لمركز بحثي مصري أن يشهد عام 2019 انكماشا لدوري تركيا وإيران في المنطقة على خلفية تدخلهما في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ودعم الإرهاب والمليشيات المسلحة.
واعتبر المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، في إصداره الذي حمل عنوان "توقعات 2019.. استشراف مصري لأبرز قضايا الإقليم والعالم"، أن "ما تتعرض له هذه الدول من أزمات داخلية وضغوطات خارجية، سيؤدي إلى تقليص دورها ويدفعها للبحث عن مسارات بديلة لممارسة نفوذهما".
مسارات الإرهاب والصراع بالشرق الأوسط
وتوقع المركز بروز نقاط ساخنة وأدوات قتالية متطورة للتنظيمات الإرهابية خلال العام الجديد، موضحا أن هذه التنظيمات الإرهابية ستكثف عملياتها في بعض المناطق خاصة في أفريقيا وآسيا.
وربط الإصدار بين استقرار الدول العربية، التي تشهد صراعات مثل ليبيا وسوريا واليمن والتسويات السياسية التي تتبلور في هذا العام 2019، وأنه ما لم تعكس هذه المخرجات توازنات القوى، فلن يكتب لها الاستقرار.
وحول العراق، أكد المركز أن استمرار التدخلات الإيرانية ووجودها على الساحة في هذا البلد إضافة إلى استمرار وكلائها من المليشيات المسلحة سيؤديان لاستمرار حالة التأزم الداخلي في العراق، في ظل خلل المعادلات السياسية بين مختلف أطياف الشعب العراقي.
وبشأن احتمال طرح الولايات المتحدة خطة للسلام أو ما يعرف إعلاميا بـ"صفقة القرن" خلال العام الجديد، أشار المركز إلى أن معوقات تسوية القضية الفلسطينية مستمرة سواء بسبب استمرار عوائق المصالحة الداخلية، أو تنامي الضغوطات على السلطة الفلسطينية أو ترجيح هيمنة اليمين الإسرائيلي على الانتخابات المبكرة في أبريل/نيسان 2019.
وتوقع المركز أن تبتعد خطة السلام الأمريكية المحتملة عن مطالب العرب، تأسيسا على موقف واشنطن "المجحف" من قضيتي القدس المحتملة واللاجئين؛ ما قد يفرض على القمة العربية المقبلة تبني موقف موحد تجاه تلك الخطة إذا طرحت رسميا.
التوازنات الإقليمية
رغم تصاعد التنافس العالمي بين القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة وروسيا والصين؛ فإن الإصدار يتوقع أن يكون ذلك التنافس أقل في الشرق الأوسط، مقارنة بمناطق أخرى، مثل، آسيا وأفريقيا وأوروبا، في ظل استمرار اتجاه إدارة ترامب في سياسة "أمريكا أولا"، والحذر الصيني من الانخراط بالمنطقة، وتصاعد الدور الروسي، ناهيك عن التركيز الأوروبي على قضايا الأمن والهجرة.
ورصد الإصدار اتجاهات التسلح الإقليمي متوقعا استمرار دول المنطقة في تطوير قدراتها الدفاعية، وتوطين الصناعات العسكرية، والسعي لبناء هامش تنوع مصادر التسلح بالمنطقة، في ظل بقاء مسببات الفوضى الإقليمية، وعدم القدرة على إقرار السلام.
وحول تولي مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي في العام الجديد، فقد شدد الإصدار على أن القاهرة أمامها فرص وتحديات ولا سيما أن ذلك يأتي في بيئة إقليمية متغيرة تشهد مؤشرات إيجابية أفريقية، فضلا عن إيلاء مصر أهمية كبيرة لعلاقات مع القارة السمراء في السنوات الأخيرة.
أما إثيوبيا فقد توقع المركز استمرار دور أديس أبابا في التهدئة مع جيرانها الإقليميين في القرن الأفريقي وكذا مصر.
وشدد الإصدار أيضا على أهمية استمرار سياسة مصر في ترسيم الحدود البحرية خلال العام الجديد، خاصة في ظل صعودها كلاعب إقليمي في مجال الطاقة.
تأزم أوروبي
وأكد الإصدار أن الاحتجاجات الفرنسية أحدثت هزة للسياسة الأوروبية، متوقعا استمرار التأزم الداخلي في الدول الأوروبية، مع اتساع تضرر الطبقات الوسطى من سياسات الإصلاح الاقتصادي.
ولمّح إلى احتمال تنامي التيارات الشعبوية، وتزايد الفجوات بين الدول القائدة للاتحاد الأوروبي، ونشوب هزة مالية في إيطاليا، وجمود مشروع الجيش الأوروبي الموحد.
واقتصاديا، يطرح الإصدار توقعاته بخصوص قضيتين، إحداهما تتعلق بنمو الاقتصاد العالمي، حيث تسود التوقعات المتشائمة لذلك النمو في عام 2019، بسبب النزاعات التجارية العالمية والسياسة النقدية الأمريكية، أما الأخرى فتتعلق بالنفط العالمي، حيث إن ثمة عوامل حاكمة للأسواق وتوقعات سعر النفط في العام الجديد، من بينها، الموقف الأمريكي من صادرات إيران النفطية.
وأخيرا، يلقي الإصدار الضوء على التفاعلات السيبرانية، حيث يتوقع بروز اختبار الثقة السيبرانية بين الشركات والمستخدمين، على خلفية أزمة تسريب البيانات، وانتهاك الخصوصية، فضلا عن اتساع التدخلات الحكومية لخفض حدة التأثيرات السلبية وسائل الاتصال الاجتماعي، كما يتوقع تصاعد معارك الجاسوسية الاقتصادية، على خلفية المنازعات التجارية المحتدمة بين الصين والولايات المتحدة.
وفقا للمدير العام للمركز المصري خالد عكاشة فإن هذا الإصدار يستهدف التنبؤ بالاتجاهات والظواهر، في ظل عالم معقد يحفل التغييرات المتلاحقة، وهو ما يصب في تنوير الرأي العام، وتنمية القدرة على رسم السياسات الاستباقية المصرية تجاه الإقليم والعالم.
ويشمل الإصدار 13 قضية رئيسية، يفتتحها الدكتور عبدالمنعم سعيد المستشار الأكاديمي للمركز المصري برؤية استشرافية حول مصر والبيئة العالمية والإقليمية في 2019، كما شارك فيه أيضا نخبة متميزة من خبراء ومستشاري المركز، من مختلف التخصصات أبرزهم الدكتور حسن أبوطالب، والدكتور جمال عبدالجواد، واللواء محمد إبراهيم، واللواء دكتور محمد مجاهد الزيات، والدكتور محمد كمال، والدكتور توفيق أكليمندوس.
واعتمد الفريق في بناء هذا الاستشراف، والاتجاهات الاستراتيجية المتوقعة، على متابعة دقيقة لسلوك الفاعلين الإقليميين والدوليين، وتطور مجموعة الظواهر الإقليمية والدولية الأساسية، تبعها سلسلة من النقاشات الجماعية المكثفة خلال الشهرين الأخيرين من عام 2018، بشكل يضمن بناء هذا الاستشراف على أسس علمية وأخذا في الاعتبار حالة التداخل والاعتماد المتبادل بين الظواهر الإقليمية والدولية.