واليوم تنتهج إيران نهج المساومة نفسه على مصائر الأبرياء في اليمن بسعيها من خلال الحوثي ذراعها هناك
قبل أن يتحرر الشيطان الإيراني من قفص الحرب التي كان عراق صدام يشويه بنيرانها في الدنيا، كانت المنطقة تعيش فيما يشبه الهدوء، لا نعرف لنا جميعاً إلا عدواً واحداً، هو العدو الإسرائيلي، وكانت أنظمة المنطقة متفرغة لمطاردته وإدانته في أروقة السياسة الدولية، هذا على التوازي مع حملات دعم الشعب الفلسطيني ونصرة الأقصى. والآن أصبحت هذه الجهود مشتتة ما بين ممارسات العدو الإسرائيلي الذي زاد من نشاطه الاستيطاني مؤخراً، مستثمراً انشغال الجميع بحروب المنطقة التي تبدو لنا فتنة في الداخل العراقي ذهب الآلاف ضحايا تفجيراتها، وتبدو ثورة ثم اقتتالاً على السلطة في سوريا، ثم ما يشبه الحرب العالمية المصغرة، في مشهد أصبح عصياً على الفهم، أو الوصف، ثم صراعاً آخر على السلطة في اليمن الشقيق، الذي شهد قبل أيام خرق الهدنة العاشرة تقريباً من قبل فصيل الحوثي المارق الذي كلما أُطفئت نار للحرب أوقدها من جديد، مع أن واقعه يقول إنه طرف قليل العدد ضعيف التسليح، لا طاقة له بمواجهة تحالف بثقل التحالف العربي الذي تقوده المملكة، لذا فمن باب وضع الأمور في نصابها، وتسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، أن نوضح أن التحالف العربي بقيادة المملكة طيلة العامين الماضيين وقد شارفنا على العام الثاني لهذه الحرب، لم يكن يحارب فصيل الحوثي أو المخلوع علي صالح وأتباعه فقط، بل كان يخوض معركة طويلة الأمد مع الدولة الإيرانية، وليس أدل على ذلك من الصواريخ الباليستية التي ما كان للحوثي، ولا للجيش اليمني نفسه أن يمتلكوها، لذا فالحوثي وأنصاره ليس أكثر من ستار تدير إيران هذه الحرب من ورائه على وطننا وعلى الشعب اليمني، ستار إن رفع فلن نجد وراءه سوى وجه إيران القبيح، الوجه القبيح نفسه الذي يدير معارك لبنان من وراء ما يسمى زوراً وافتراءً بحزب الله، الوجه القبيح نفسه الذي يقف وراء طاغية سوريا ويحركه كما تُحرَّك العرائس على المسرح، الوجه القبيح نفسه الذي ينفخ في نيران الطائفية في العراق ويصبغ كل شيء بصبغة المذهبية، ليبقى العراق إما مفتتاً لا خطر منه على دولة الملالي، أو تابعاً لها تدير عملياتها القذرة فيه ومن خلاله.
إن علينا دائماً أن نكشف الستار عن كثير من الأحداث السياسية العابرة في المنطقة حتى نفهم الحقيقة، حقيقة الشيطان الإيراني الذي يقف بوجهه القبيح خلف كل ستار، ويسكن جميع التفاصيل، ولعل أقرب هذه الأحداث الهدنة الأخيرة التي فرضت من العاصمة العمانية مسقط بحضور السيد كيري وزير الخارجية الأميركية شخصياً على نحو مفاجئ وسريع، جعلني شخصياً أندهش من هذه الزيارة المفاجئة التي شهدت جلوس السيد كيري مع الحوثي الذي شعاره الموت لإسرائيل وأميركا على طاولة واحدة، ثم التعجيل بإعلان الهدنة، لكن ما كاد يمر وقت قصير حتى اتضحت الأمور، وانكشفت الأسباب الطارئة التي جعلت السيد كيري يقفز من كرسيه في مبنى وزارة الخارجية الأميركية إلى المنطقة.
الأمر وما فيه أن الحوثي كان يحتجز عدداً من المدرسين الأمريكان، وأراد كيري أن ينهي ولايته بإطلاق سراحهم، أو لننظر للواقعة من زاوية أخرى، فنقول أراد كيري ألا تنتهي ولايته بإصابتهم بأذى، وربما بكارثة، ولعل أحدهم يسأل: وما علاقة إيران بالواقعة؟ مع أن الواقعة ليست أكثر من تكرار للأداء الإيراني المعتاد في مثل هذه الحالات، نهج استخدام ورقة الأبرياء واحتجازهم للضغط من أجل تحقيق مكاسب سياسية، والتفاوض على مصائرهم ليضمنوا أن يكونوا الطرف الأقوى في المفاوضة، نهج عصابات وقتلة وقطاع طرق، منهج إيراني قذر شهير لجؤوا إليه مع الديمقراطيين عندما حجز ثوار الخميني أعضاء السفارة الأميركية في طهران عام 79 لمدة تسعة أشهر، وتفاوض كارتر معهم لإطلاق سراحهم، وتكرر المشهد نفسه مع بعثتنا الدبلوماسية في طهران، كان هذا دائماً شأن إيران، دولة مارقة عديمة الأخلاق، لا تقيم وزناً لأي عرف دبلوماسي أو إنساني، تساوم على أرواح الأبرياء.
واليوم تنتهج إيران نهج المساومة نفسه على مصائر الأبرياء في اليمن بسعيها من خلال الحوثي ذراعها هناك إلى نقض كل هدنة، وإطالة أمد الحرب قدر الإمكان، على أمل استنزاف المملكة في حرب طويلة، وقودها الشعب اليمني الذي لا يعني ملالي إيران في شيء، لا فرق في ذلك بين سني أو شيعي، بل إن شيعة اليمن أول ما تحصد هذه الحرب أرواحهم، فما أكبرها وأحقرها من كذبة تمارسها دولة الملالي حين تدعي أنها حامية حقوق الشيعة في العالم وهي تلقي بهم في أتون كل حرب. لكن الله غالب على أمره.
*نقلا عن الوطن السعودية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة