«إسرائيل» استغلت الحريق إعلامياً لتوجيه التهم للفلسطينيين.
سلسلة الحرائق الكبرى التي اشتعلت في جبل الكرمل والقرى العربية على الجبل والأحياء المكتظة في مدينة حيفا، وهي مدينة مختلطة عرباً ويهوداً، ليست من عمل مدبر في بداياتها على الأقل، لأن الإهمال هو السبب عادة ثم بعد اشتعال النيران هناك عشاق لإشعال النار الذين وجدوا في سرعة انتشارها ما يدفعهم لإشعال المزيد. وبالطبع لا يمكن الجزم بمن أشعل النار في هذه الأحراج إذا كان من هو مشعل لها، مع أن هذه الأشجار ليست من زراعة اليهود على الأغلب إنما زرعت أيام الانتداب البريطاني من جانب دائرة الزراعة التي كان أغلب العاملين فيها من الفلسطينيين. فقد دأبت سلطات الانتداب البريطاني على زراعة الجبال الوعرة بالأشجار سواء في شمال فلسطين أو في منطقة القدس أو في بقية جبال الضفة، واستمر الوضع بعد قيام الكيان «الإسرائيلي».
والمناطق الحرجية هي في العادة أرض أميرية أي ملكية الدولة، ولهذا رأينا كيف أن الاستيطان في الضفة ركز على هذه المناطق واقتلع المستوطنون الأشجار وأقاموا بيوتاً لهم وأطلقوا أسماء يهودية على المناطق الحرجية، مع أن من زرعها فلسطينيون.
فالمستوطنات في منطقة الخليل ورام الله وقلقيلية أقيمت في مناطق حرجية بعدما أزيلت الأشجار الصنوبرية لبناء وحدات سكنية بدلا منها، والحال نفسها في حيفا حيث أزيلت الأشجار لصالح بناء أحياء سكنية. والهلع الذي أبداه السياسيون «الإسرائيليون» من النيران مبالغ فيه لأسباب سياسية، فهم أرادوا اتهام الفلسطينيين بأنهم وراء الحرائق وأطلق رئيس الوزراء نتنياهو صفة «إرهاب الحرائق» لاستثمارها سياسياً على المستوى الدولي، لكن لا أحد مقتنع حتى بين «الإسرائيليين» من أن العمل مدبر بل هو مجرد إهمال أدى إلى اشتعال النيران وزادت الرياح السيبيرية الباردة الشديدة السرعة على انتشارها، خاصة وأن الجفاف يسود منذ شهر ابريل/ نيسان حتى الآن وليس من المستبعد أن ينتهز بعض العرب الفرصة لافتعال حرائق، كما ليس مستبعداً أن يقوم اليهود أيضاً بذلك. لكن في الأغلب هو إهمال لأن الحرائق امتدت إلى مناطق في الضفة بعضها من فعل المستوطنين، والخاسر هو الطبيعة، حيث إن المناطق الحرجية قليلة المساحة وهي أقدم من الكيان الصهيوني نفسه.
فعلى بعد أربعة كيلومترات من غرب رام الله أقام الاحتلال مستوطنة منذ بداية الاحتلال قرب النبي صالح واستوطن اليهود في مبنى عسكري أردني اولاً حيث تحيط به غابة من الصنوبر، ثم بدأ المستوطنون في قطع الأشجار وبناء منازل في الغابة، ثم وسعوا المستوطنة واستولوا على أرض من قريتين قريبتين، وأطلقوا اسماً يهودياً على الغابة واسماً آخر على نبع ماء، وأوحوا للزائر وكأنهم من زرع الأشجار، وأنها لم تكن موجودة قبل ذلك. وفي ليلة السبت الماضي اشتعلت النيران في الغابة، وأتت على منازل استيطانية وتم إجلاء المستوطنين وإغلاق الطرق أمام الفلسطينيين نحو رام الله.
«إسرائيل» استغلت الحريق إعلامياً لتوجيه التهم للفلسطينيين. وكان حريق أكبر شب في جبل الكرمل قبل ست سنوات أسفر عن مقتل 44 «إسرائيلياً» أغلبهم من حراس سجن الدامون الذي يحتجز فيه أسرى فلسطينيون، وآتت النيران يومها على مساحة 35 ألف دونم من الأشجار بينما الحرائق الحالية التهمت مساحة 41 ألف دونم دون حساب ما لحق بأراضي القرى العربية في الضفة. وحتى الآن هناك خبراء يرجعون سبب الحرائق إلى عوامل جوية أو هي من فعل فاعل دون قصد، تلتها حرائق بفعل فاعل، ولكنها ليست «انتفاضة النار» كما سماها البعض، لأن النيران لا تميز بين عربي ويهودي في مناطق مختلطة. إلا أن وزير التعليم «الإسرائيلي» نفتالي بينيت أبى إلا أن يوجه أصابع الاتهام إلى العرب قائلاً: «إن من لا تعود إليه البلاد يقوم بحرقها» في تغريدة له: لكن الفلسطينيين غردوا قائلين «نحن أم الولد والطبيعة لنا ولا نحرقها»، وكان نتنياهو أول من اتهم الفلسطينيين للتغطية على التحقيق معه حول صفقة الغواصات من ألمانيا، أما بينيت فهو يحاول اصطياد بعص الأصوات من معسكر نتنياهو إلى جانبه. ف«الإسرائيليون» من السياسيين يحاولون تحويل النار إلى مغنم وليس إلى مغرم.
*نقلا عن الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة