إيران والتوازنات الدولية.. طهران في فخ تعنتها
ما يرعب طهران الآن ليس فقط ما يقوله ترامب وبعض عواصم أوروبا، أو التحرك الخليجي لإنهاء المدّ التخريبي، وإنما فكرة تخلّي روسيا عنها.
فجأة، تغيّرت التوازنات الدولية، فتبدّلت معها السياسات الخارجية، لتجد إيران نفسها في سياق جديد يفرض عليها معادلة مغايرة، والأسوأ بالنسبة لها أنه أدخلها دائرة الضوء العالمي.
انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي الموقع عام 2015، لتحشر إيران في زاوية ضيقة، وتعلّق آمالها على تمسّك أوروبي سرعان ما انحسر بدوره، ليبقى مجرد واجهة لحقيقة مرة شملت انسحاب شركات عالمية من السوق الإيرانية.. وما بين التهديد والتصعيد الأجوف، تقف طهران في خط التماس بين التوازنات الإقليمية والدولية التي تشكّل بدورها نتاجا لتغير خارطة المواقف.
بين الداخل والخارج.. الحبل يضيق
القيادة الإيرانية المثقلة بسهام الانتقادات المتواترة عليها من الداخل، تخشى حدّ الهوس، أن يفاقم الانسحاب الأمريكي من الغضب الشعبي، في ظل تأييد جزء كبير من الإيرانيين للاتفاق، الذي يرون فيه علامة انفتاح على الغرب.
مخاوف أغرقت مواقف طهران في حالة من التخبط والارتباك، وأورثتها نشازا وتناقضا بين الأقوال والأفعال.. على من سترد؟ وما الذي ستفعله وكيف ستحدد أولوياتها؟ هل تتوجّه للداخل المتأزّم سياسيا واجتماعيا واقتصاديا؟ أم نحو مواجهة التصعيد الإقليمي والدولي ضد سياساتها في استهداف أمن المنطقة؟ أم تهتم بالرد على الإجراءات الأمريكية الجديدة التي بدأ مفعولها يظهر في الملف النووي، وحسم موضوع خطط التجارب الصاروخية التي تجريها طهران ودعمها للإرهاب، وهجماتها الإلكترونية الانتقامية العشوائية.
فما يرعب طهران الآن ليس فقط ما يقوله ترامب وبعض العواصم الأوروبية التي بدأت تستوعب حجم التصلب الأمريكي في المسألة الإيرانية، أو التحرك الخليجي المتصاعد لإنهاء المدّ التخريبي لطهران، وإنما فكرة تخلّي روسيا عنها.
فأكثر ما أغضب إيران هي رسائل موسكو التي تطالبها وحلفاءها بالانسحاب من سوريا، وهذا ما تجلى في نبرة المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، وهو يرد بقوة: "ليس بإمكان أحد أن يرغم إيران على القيام بعمل ما، فإيران دولة مستقلة تتابع سياساتها على أساس مصالحها".
غضب يترجم "الصدمة" التي تلقتها طهران بسبب التصعيد الروسي ضدها في سوريا، في خطوة لم تكن تتوقعها - على الأقل بهذه السرعة - ما يعكس حجم المأزق الإقليمي المتفاقم يوما بعد آخر بوجه طهران.
القبول بالهزيمة
في الأعوام الأخيرة، أرادت طهران النزول إلى ساحة اللعب المحفوفة بالمخاطر، لعرض فنونها الكروية بتمريرات طويلة في مكان ضيق، فكان أن وجدت نفسها في نهاية المطاف أمام معضلة الإقرار بالهزيمة، وما أصعب الاعتراف بالنسبة لبلد دفع بنفسه وبحلفائه إلى الهاوية في كل من اليمن وسوريا والعراق.
قد تكون إيران حققت بعض أهدافها على المدى القصير، من خلال تحريك أذرعها في بعض الأماكن، لكنها اليوم تواجه تكتيكا من نوع آخر، وسياسة لم تختبرها، وهي استراتيجية النفس الطويل التي اعتمدتها العواصم الخليجية حيالها.
فلعقود، ظل عدد من بلدان الخليج، يرقبون عن كثب السياسة التخريبية التي تنتهجها إيران، على أمل أن تفلح المطالب الشعبية للبلد الأخير في تغيير سياسات قادته التوسعية، وتوقف نزيف الدماء بأكثر من جبهة، غير أن تعنّت طهران دقّ ساعة حسابها.
aXA6IDE4LjExNi44NS4xMDIg جزيرة ام اند امز