الخيارات تضيق أمام إيران بصورة واضحة ولا يوجد أمام المرشد خامنئي أو الرئيس روحاني مزيد من الحركة المرنة ورفاهة الخيارات
تنتقل إيران في إدارة الأزمة في الخليج، ومع الولايات المتحدة لمسارات جديدة تتجاوز المرحلة السابقة؛ خاصة أن هناك تصورات حقيقية بأن إيران ستعمل على تبني خيار التهدئة ومحاولة نقل رسالة للإدارة الأمريكية بالتزام خيار التوافق، بل إفساح المجال إلى إمكانية التلاقي على أرضية المصالح المشتركة، والتعامل مع الولايات المتحدة في ظل الإدارة الراهنة، وتطويق أي دحرجة للأزمة الراهنة والاستثمار في تفاصيلها إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وربما تتغير الأوضاع السياسية وترحل هذه الإدارة، وهو رهان خاطئ وفاشل مسبقاً؛ خاصة أن القاعدة الانتخابية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب قوية ومتماسكة، بل تتزايد شريحة مؤيديه في الساحة الداخلية.
ومن ثم فإن إيران قد تجد الفرصة مواتية تماماً للاستمرار في خيار التهدئة إلى حين اتضاح الصورة؛ خاصة أن الاتفاق النووي مع الدول الأوروبية يلفظ أنفاسه الأخيرة، ويحتاج إلى معجزة حقيقية للاستمرار، وهو ما يراهن عليه بعض الأوروبيين دون أن يستند ذلك إلى أسس واقعية وفعلية.
في كل الأحوال ستظل إيران على موعد من التغيير الداخلي، وثورة المنظومة الداخلية مع التوقع بعودة توزيع الأدوار والمهام، مع إمكانية الاستمرار في خيار التهدئة حتى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.
وبالتالي فإن إيران ستمضي في المدى القصير في مسارات محددة؛ الأول: عدم الاصطدام بالولايات المتحدة من الآن فصاعداً في ظل تحقق الردع والردع المقابل، وهو ما تم برغم شكلية الرد الإيراني علي اغتيال قاسم سليماني، ومن ثم فقد كان التوجيه الإيراني للوكلاء والأطراف الإقليمية المؤيدة للسياسات الإيرانية، ويأتمرون بقرارها السياسي بعدم الدخول في مواجهة جديدة، أو كسر حالة التوافق غير المعلن بين الجانبين، منعاً لتمدد أي صدام محتمل بين الجانبين الأمريكي والإيراني.
الثاني: الانتقال من سياسة رد الفعل إلى الفعل، وهو ما كشفت عنه السياسات الإيرانية الأخيرة في حادث إسقاط الطائرة الأوكرانية، التي تعامل معها الإيرانيون على أنها ليست مسؤوليتهم في البداية، إلى حين خرج الحرس الثوري يؤكد أن الأمر مسؤولية إيرانية، وأنه سيتم التحقيق مع المتهم الأول في إسقاط الطائرة، بل تقديمه للمحاكمة في إشارة إلى أن الحكومة الإيرانية تتعامل بمنطق الدول، وليس الفصائل.
وفي ظل توقع بتنسيق روسي إيراني على هذا السيناريو الذي قد يحتاج إلى تصديقه في حال تشكيل لجنة تحقيق دولية قد تقبل بها إيران منعاً لفرض مزيد من العقوبات الدولية، أو منع الحظر على الطيران الإيراني، ومن ثم كان المنطق الاستباقي، بل المكاشفة والانتقال إلى خيار المواجهة بدلاً من الإنكار على طول الخط، وهو ما قد يؤدي لمزيد من الانقسام الداخلي في دوائر النفوذ وتجدد أعمال الحراك الداخلي والمظاهرات بصورة كبيرة. والثالث: سعي السياسة الإيرانية لعدم الاندفاع مجدداً في إطار رسم سياسات أكثر مواجهة؛ خاصة أن الداخل الإيراني يعاني فعلياً من حالة من عدم استقرار حقيقي، وأن ما يجرى في تبعات المواجهة الإيرانية الأمريكية لا يتم في سياق توزيع أدوار ومهام لبعض المؤسسات والقطاعات العليا في ايران، وعلى رأسها قوات الحرس الثوري وقوات الجيش، وقوات حماية النظام والباسيج وغيرها من دوائر صنع القرار الفاعل، الذي يمسك بزمام الأمور في إيران في الوقت الراهن، وليس الحرس الثوري فقط.
والمتوقع أن يرفع يده على بعض الملفات الاستراتيجية، بل سيعيد توزيع بعض الأدوار، ولهذا كان قرار مرشد الثورة علي خامنئي شخصياً بملء الفراغ سريعاً، وتحديد دور فيلق القدس تحدياً في منظومة النظام الإيراني الذي يعاني من حالة من عدم الاستقرار الحقيقي، ويحتاج إلى قواعد وضوابط حقيقية للاستمرار والتماسك في المدى المتوسط، وإلا فإن البديل مزيد من التأزم الداخلي في إيران؛ خاصة أنه من الواضح أن الإيرانيين عملوا على جس نبض واختبار النوايا والمواقف الأمريكية جيداً، وبالتالي فإنهم يركزون على إبقاء الأوضاع الراهنة في دائرتها السياسية والاستراتيجية العليا دون تصعيد أو حتى القيام بأعمال تخريبية جديدة مثلما فعلوا طوال الأشهر الماضية.
إن الخيارات تضيق أمام إيران بصورة واضحة ولا يوجد أمام المرشد خامنئي أو الرئيس روحاني مزيد من الحركة المرنة ورفاهة الخيارات التي يمكن الانتقال بها وإليها، والمناورة في استثمارها الحقيقي، وبالتالي فإن بقاء الخيارات الإيرانية مستقرة سيكون هو الخيار الملائم للسياسات الإيرانية، وحتى إشعار آخر، وأنه لا فائدة من المواجهات أو التصعيد في ظل دراسة العروض الأمريكية المتعددة للبحث في خيار قد يكون الخيار الأخير، وهو التفاوض مع الإدارة الأمريكية بصورة حقيقية أو على الأقل الاستمرار في خيار التوافق لبعض الوقت، وهو ما تدركه إدارة ترامب جيداً، وتعمل للوصول إليه في المدى المتوسط في إطار منظومة كاملة وليس موضوع واحد، فالبرنامج النووي والتوجهات الإيرانية في الإقليم وخارجه، والعلاقات مع الأطراف الوكيلة ومراجعة النزعة العسكرية للسياسة الخارجية وغيرها من الملفات الشائكة ستكون ضمن إطار أوسع في التفاوض السياسي والدبلوماسي المحتمل مع مراعاة الضوابط الحاكمة للعلاقات الإيرانية الأمريكية، التي فرضتها بالفعل السياسة الإيرانية التدخلية في المنطقة.
في كل الأحوال ستظل إيران على موعد من التغيير الداخلي، وثورة المنظومة الداخلية مع التوقع بعودة توزيع الأدوار، والمهام مع إمكانية الاستمرار في خيار التهدئة حتى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، لكن بنفس المنطق لا تتخوف إيران من عمل أمريكي عاجل أو اختبار القدرات الأمريكية بصورة دورية، إذ إن الرئيس ترامب قد يطلب حسم تطورات الملف الإيراني ضمن ملفات أخرى في الإقليم، مما يحد من طبيعة ما قد تقوم به الإدارة الأمريكية الساعية لحسم مصالحها السياسية والاستراتيجية، التي لا تقتصر على منطقة الخليج العربي بل تمتد إلى مناطق أخرى في الإقليم بأكمله، إلى حين يتم تثبيت أركان ودوافع الأمن القومي العربي ودوائر نفوذه السياسية والاستراتيجية قصيرة وطويلة الأجل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة