الاقتصاد الإيراني في عزلة لا تنتهي.. من الجهل ما قتل
"من الجهل ما قتل".. مقولة تناسب الأوضاع الاقتصادية في إيران، هذا البلد الذي وضع نفسه في عزلة بفعل ممارسات جاهلة من الإدارة.
على أرض الواقع ليست العقوبات الأمريكية والعزلة الدولية فقط هي التي قصمت ظهر الاقتصاد الإيراني وقطعت عائدات الدولة من التجارة الخارجية وفي مقدمتها النفط، بل هناك قوانين ترفض طهران تمريرها زادت من حجم تلك العزلة الاقتصادية.
وفي أحدث فشل لحكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني قبل انتهاء ولايتها في مطلع أغسطس المقبل، كشف مسؤول بحكومته أن طهران فشلت في استرجاع 6 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج وتحديداً في أوروبا، بسبب رفض النظام الانضمام إلى مجموعة العمل المالي الدولية المعروفة FATF.
- مهندس عملية "الريال المنهار" محافظا جديدا للمركزي الإيراني.. نكبة طهران
- ضربة قوية لإيران.. العراق يدعو إيطاليا للاستثمار بالبنية التحتية
ونتيجة للعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران عقب الانسحاب من الاتفاق النووي في مايو 2018 من قبل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تشير التقارير إلى أموال إيران المحجوبة في عدد من الدول الأوروبية قرابة 40 مليار دولار.
فيما قالت صحيفة "جهان سازندجي" الإيرانية قبل فترة إن "هذا المبلغ أقل بكثير من الأرقام الموجودة لدى السلطات الإيرانية"، ولدى إيران أموال من النقد الأجنبي محجوبة في عدة بلدان منها العراق والصين والهند وكوريا الجنوبية وتركيا.
وقال الخبير الإيراني في سوق النفط، زانا أحمدي، لوكالة أنباء "إيلنا": "يجب ألا ننسى أن سبب منع مبيعات النفط في البلاد هو القيود التي تم إنشاؤها بسبب قضية فاتف التي لم تحل وليس العقوبات الأمريكية".
أضاف أحمدي أن إيران ضمن القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي ولا يمكنه الحصول على بعض أموال النفط التي باعتها بالفعل، ولا تزال هذه الأموال محجوبة في البنوك الأجنبية، وهو أمر لا علاقة له بالعقوبات الأمريكية".
ولا تزال قوانين مجموعة العمل المالي (FATF)، عالقة داخل مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني (أحد أجهزة الحكم)، بعد رفض الاتفاقية عام 2018 التي صادق عليها البرلمان.
ويتذرع المتشددون في إيران بأن تمرير هذه الاتفاقية سيمنع إيران من التحايل على العقوبات ومواصلة تقديم الدعم المالي للجماعات المسلحة التابعة لها في المنطقة، ولا تزال إيران ضمن القائمة السوداء.
وفي منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وافق المرشد علي خامنئي على السماح لمجلس تشخيص مصلحة النظام بمراجعة هذه الاتفاقية بعدما طلب ذلك الرئيس حسن روحاني.
وفي 24 من أكتوبر/تشرين الأول 2020، أبقت مجموعة العمل المالي الدولية، النظام الإيراني على القائمة السوداء للمجموعة بسبب رفضها الانضمام إلى هذه المنظمة الدولية المعنية بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
وفي فبراير/ شباط من العام الماضي، دخلت إيران رسميًا في القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي الدولية، بسبب رفض النظام الإيراني الانضمام إليها، الأمر الذي ضاعف من أزمة توفير العملات الأجنبية بالنسبة للحكومة الإيرانية في ظل العقوبات الأمريكية التي قصمت ظهر اقتصادها المتدهور.
أموال تحت قبضة FATF
ومؤخراً، تحدث مسؤول إيراني، إن الدول الأوروبية رفعت مصادرة أموال إيرانية تقدر بنحو 6 مليارات دولار في البنك المركزي الإيطالي"، لكنه أضاف "إنه بسبب العقوبات وعدم تنفيذ توصيات مجموعة العمل المالي الدولية، لا يمكن تحويل الأموال إلى البلاد".
وأضاف أمير حسين طيبي فرد، النائب القانوني للبنك المركزي الإيراني، إنه "كان بالإمكان استعادة تلك الأموال في حال وافق النظام الإيراني على الانضمام إلى مجموعة العمل المالي الدولية المعروفة بـ"فاتف".
أحداث 11 سبتمبر 2001
وفي أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001 وحكم محكمة أمريكية بأن إيران متورطة في العملية الإرهابية، أمرت محكمة إيطالية بمصادرة 6 مليارات دولار من الأموال الإيرانية.
ولطالما كان شطب إيران من القائمة السوداء المالية مصدر جدل بين المسؤولين في البلاد، بينما يؤكد الخبراء على أن عدم حذف إيران من القائمة السوداء المالية هو أحد المشاكل الرئيسية في البلاد، والتي تسببت في صعوبات اقتصادية للشعب.
فيما يصر آخرون وهو المتشددون على أن مشاريع قوانين مجموعة العمل المالي الدولية لن يكون لها أي تأثير على اقتصاد إيران.
وأكدت حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني على أنه "ما يحدث عملياً هو أنه إذا لم تتم الموافقة على مشاريع قوانين مجموعة العمل المالي الدولية، فإن التجارة مع العالم وتحويلات الأموال ستصبح معقدة وصعبة".
ويتهم البنك المركزي الإيراني بتمويل الإرهاب أيضاً، وعلى الرغم من أن طهران نفت دائمًا تورطها في عمليات إرهابية ضد الولايات المتحدة.
وقال التقرير الإيراني إنه "في الوقت الذي تعيش فيه البلاد وضع اقتصادي مقلق وأكثر من 60 في المائة من السكان تحت خط الفقر، فإن حكم المحكمة الإيطالية لصالح إيران حلو، لكن الناس لا يستطيعون تذوقه".
اقتصاد يعاني من جهل
من جانبه، رأى الخبير في القضايا الاقتصادية الإيرانية والأستاذ بجامعة طباطبائي، مهدي بازوكي، أن "الاقتصاد الإيراني يعاني بشدة من الجهل الاقتصادي للمسؤولين، وإنه الاقتصاد يتدخل اليوم في السياسة ويعتمد بشكل خاص على السياسة الخارجية، ولو جمع أفضل خبراء الاقتصاد بالعالم وأرادوا رسم سياسة اقتصادية لإيران، فلا يمكنهم فعل ذلك؛ لأن اقتصادنا منغلق".
وأضاف إن "الصين وروسيا وتركيا هم ثلاثة شركاء تجاريين لإيران وجميعهم أعضاء رئيسيون في مجموعة العمل المالي، بينما من المفترض أن تكون إيران عضوا كاملا في FATF على الإطلاق وكان من المفترض أن نكون عضوا متعاونا في هذه الهيئة، حالنا حال مثل 189 دولة شريكة أخرى".
إيران تدعم جماعاتها
ورغم كل ما يحدث من ضغوط اقتصادية يشعر بها الإيرانيين، لكن النظام يواصل إرسال الأموال للجماعات المسلحة التي تؤمن بأيدلوجيته ومشاريعه بالمنطقة.
وفي 3 من آب/أغسطس الماضي، كشف موقع إيراني معارض، عن طريقة استخدمها النظام الإيراني لنقل أموال تقدر بنحو مليار دولار إلى مليشيات حزب الله اللبناني عن طريق استخدام جوازات سفر مزورة لإيرانيين.
وقال موقع "آوا تودي" الإيراني الذي يديره الصحافي البارز "علي جوانمردي"، إنه حصل على معلومات ووثائق قيام الحرس الثوري بالتعاون مع البنك المركزي عبر استغلال الرقم الوطني للمواطنين، وتسجيل جوازات سفر مزورة لتخصيص عملات سفر لهم، وتم تحويل هذه العملات من خلال رحلات تقوم بها شركة ماهان للطيران إلى سوريا ولبنان".
وأضاف الموقع في تقريره إنه "لم يتم إبلاغ المواطنين العاديين في إيران مطلقًا باستخدام رقمهم الوطني، للقيام بمهمة تحويل العملات إلى حزب الله اللبناني".
واعتبر إن "أحد أسباب رفض النظام الإيراني الانضمام إلى مجموعة العمل المالي الدولية FATF، هي قيام طهران بتحويل أموال إلى مليشيات حزب الله بطريقة غير قانونية".