السماح لإيران بهذا التغوّل في المنطقة كان واحداً من أكبر أخطاء المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة
قاسم سليماني الجنرال الإيراني الذي عينه خامنئي قائداً لـ"فيلق القدس" عام 1998، ليصبح بعدها أهم شخصية إيرانية في المشروع الإيراني التوسعي. استطاع سليماني أن يؤسس تنظيمات ومليشيات مستقلة حتى في اقتصاداتها من أفغانستان إلى العراق ولبنان وصولاً إلى سوريا واليمن. وهو ما جعله يتحكم في القرار السياسي لهذه الدول، فمعظمها كان لا يُنتخب فيها رئيس ولا تشكل حكومة من دون موافقته.
يجب أن يستمر الضغط الأمريكي العسكري في حال قامت إيران ووكلاؤها بمغامرة أخرى، وأن يستمر الضغط الاقتصادي على إيران. وقبل ذلك يجب أن تكون هناك استراتيجية دولية واضحة إزاء خطر المشروع الإيراني في المنطقة
بلا شك أن السماح لإيران بهذا التغوّل في المنطقة كان واحداً من أكبر أخطاء المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة التي تنامى تهديد "سليماني" ومليشياته لقواتها في العراق وسوريا حتى وصل الأمر إلى أن أطلقت كتائب "حزب الله"، الفصيل العراقي المقرب إلى سليماني، أكثر من 30 صاروخاً على قاعدة للقوات المشتركة في كركوك، ما أدى إلى مقتل مقاول أمريكي وجرح عدد من الجنود. وكان الرد بأن قصفت واشنطن خمس منشآت عسكرية تابعة للحزب. فما كان من مليشيات الحشد الشعبي وحزب الله العراقي إلا أن هاجمت مبنى السفارة الأمريكية ببغداد، ونجحوا في اقتحام الباحة الخارجية للسفارة، وأضرموا فيها النار. لم يكن الرد الأمريكي هذه المرة على كتائب حزب الله والحشد الشعبي، بل استهدفت العقل المدبر والمسؤول الأول عن هذه المليشيات قاسم سليماني الذي قتلته طائرة مُسيرة أمريكية في محيط مطار بغداد وقُتل معه أبومهدي المهندس، نائب رئيس الحشد الشعبي، والرئيس الفعلي له.
ضرب قلب المشروع الإيراني في المنطقة من خلال استهداف سليماني وبهذه الطريقة كان صادماً جداً ليس لإيران فقط، بل أيضا للموالين لمشروعها الثوري. ويؤكد ذلك أن إيران قد تجاوزت الخطوط الأمريكية الحمراء، وأن إدارة ترامب أرادت أن ترسل رسالة واضحة لطهران وغيرها بأن الولايات المتحدة هي القوة العظمى الأكثر تأثيراً في العالم، والأطول ذراعاً وقدرة على الوصول إلى أي هدف متى ما أرادت ذلك. حالة ارتباك أصابت النظام الإيراني بعد الضربة الأمريكية، فهو أصبح معنيا برد يحمل بوضوح بصماته، وليس عبر الوكلاء، وأن يكون الرد موازياً للضربة التي قتلت أهم جنرالاته وأكثرهم شعبية. ولكنه في نفس الوقت يدرك أن الدخول في حرب مفتوحة كاملة مع أمريكا القوة العظمى ستكون انتحارية بالنسبة له. لذلك أطلقت طهران بضعة صواريخ على قاعدة عين الأسد في العراق، ولم تسبب أضراراً تذكر للأمريكيين. وكانت في واقع الأمر مجرد ضربة رمزية لحفظ ماء وجه النظام أمام جمهور الثورة. احتفى الإعلام الإيراني بهذه الضربة بينما وزير خارجية إيران جواد ظريف سارع إلى إعلان الاكتفاء بها رداً على مقتل سليماني، وكأنه يستجدي أمريكا بأن يتوقف الأمر عند هذا الحد.
بلا شك أن مقتل سليماني يعد ضربة كبيرة لقدرات وكلاء إيران ومشروعها التوسعي، ولكن تلك المليشيات التي زرعها سليماني في العراق وسوريا ولبنان واليمن متجذرة وباقية، ولن تنهار كما يعتقد البعض، بل إن إيران قد تواصل تصعيدها وعملياتها التخريبية عبر هذه المليشيات، وذلك ما أعلنه صراحةً قائد القوات الجوية الإيرانية في مؤتمر صحفي حين قال: "الخطوات اللاحقة في الرد على مقتل سليماني ستتم عبر جبهة المقاومة". ولذلك يجب أن يستمر الضغط الأمريكي العسكري في حال قامت إيران ووكلاؤها بمغامرة أخرى، وأن يستمر الضغط الاقتصادي على إيران. وقبل ذلك يجب أن تكون هناك استراتيجية دولية واضحة إزاء خطر المشروع الإيراني في المنطقة، واعتماد سياسة جادة لمواجهته، وليس الاكتفاء بإرسال التحذيرات والتنديدات لأن خطر هذا المشروع لا يهدّد دول المنطقة فحسب، بل أمن العالم بأسره.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة