عادة ما تحظى أفلام الحركة التي تتناول أحداثها حوادث الطائرات بالتشويق والمتابعة، لكن ما حدث مع الطائرة الأوكرانية شتاء العام الجديد لم يكن مشهدا هوليووديا مع الأسف، بل كان واقعا مأساويا أكثر إيلاما وأشد وجعا، عكس طيشا وارتباكا ورعبا إيرانيا، وأعاد للأذهان
فما بين أربعاء 21 ديسمبر 1988 وأربعاء 8 يناير 2020 نحو ثلاثة عقود، إلا أن اليومين تشابها إلى حد التطابق في الأحداث وإن اختلفا في معطياتها، فالأول كان شاهدا على فاجعة تفجير الطائرة الأمريكية في سماء لوكربي باسكتلندا "عمدا"، والثاني لم يختلف عنه كثيرا حينما أسقطت الطائرة الأوكرانية في سماء طهران "عرضا"، يومان سيظلان محفورين في تاريخ حوادث الطيران مهما مرت السنين عليهما.
يبقى السؤال الملح الذي تتقدم إجابته على طرحه: دولة لا تمتلك قدرات بشرية أو تكنولوجية لإدارة سمائها والتفرقة بين الصاروخ والطائرة فهل لها أن تمتلك أسلحة نووية؟
حادثتان اختلفت بينهما الملابسات لكن ظلت نتائجهما متشابهة سواء ما ظهر منها وما بطن، ففي الفاجعة الأولى تم تفجير طائرة أمريكية على متنها 259 شخصا، وفي الثانية إسقاط أخرى أوكرانية على متنها 176، فاعلان مختلفان غير أنهما يشتركان في سمة واحدة وهي العداء للولايات المتحدة حتى وإن كانت الكارثة ناجمة عن "خطأ بشري".
ففي عام 1988، سقطت طائرة لوكربي وتوزعت الاتهامات وقتها تجاه دول تشترك فيما بينها في العداء لواشنطن، فتارة ألقيت المسؤولية على حركات فلسطينية وتارة أخرى على منظمات سورية وأحيانا ظهرت إيران على استحياء، إلى أن أظهرت التحقيقات تورط النظام الليبي بزعامة القذافي حينها في العملية، وهو ما جعل بلاده في مرمى العقوبات الأمريكية والدولية ما أعجزها ووضعها في عزلة دولية ليست بالقصيرة، وكلفها تعويضات بمليارات الدولارات لاحقا، وقد تكون هذه الأزمة هي الأكبر في تاريخ الزعيم الليبي الراحل، حيث كان لها الأثر الكبير في إضعاف موقفه الدولي وأصبح يترنح بين هذا المعسكر وذاك إلى أن سقط نظامه تحت وطأة احتجاجات دعمها تدخل عسكري أوروبي.
وبعد قرابة 32 عاما، يصبح العالم على حادثة مروعة تزامنت مع هجمات إيرانية على أهداف أمريكية في العراق، ردا على مقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس المنصف إرهابيا، وبعد نفي ومحاولة من الهروب من المسؤولية وإلقائها على عاتق العطل الفني الذي دائما ما يظهر من أول وهلة مع أي حادثة طيران، أقرت طهران بإسقاطها عن طريق الخطأ في وقت التوتر الإيراني الأمريكي.
قصة تعيد إلى الأذهان مرة أخرى قضية لوكربي وما واكبها من تداعيات أثرت سلبا على ليبيا ماديا وأرغمتها مجبرة غير مخيرة على الانصياع إلى أوامر المجتمع الدولي والرضوخ إلى تسليم منفذيها الاثنين ومحاكمتهما في هولندا إلى أن تتم تسوية القضية بعد 15 عاما عندما تحمل القذافي في 2003 المسؤولية ودفع تعويضات بالمليارات لأسر الضحايا مع تمسكه بأنه لم يكن المسؤول عن إعطاء الأمر بالعملية.
لذلك، وبالنظر إلى الحالة الإيرانية والتي تعكس سيناريو أكثر بؤسا، فيبدو أن الطريق سيكون طويلا ومؤلما لطهران حتى تتخلص من تبعات هذه الحادثة، فبالإضافة إلى تداعياتها المادية التي من المتوقع أن تثقل كاهل الاقتصاد الإيراني المثقل بالفعل بالديون، أصبحت أجواء إيران "غير قابلة للاستخدام الآدمي" ولم يبقَ لطهران رصيد من الثقة لدى شركات الطيران للمجازفة بحياة ركابها وطائراتها للتحليق في سماء عجز أصحابها عن التفريق بين صاروخ كروز وطائرة بيونج 737 العملاقة رغم التطور التكنولوجي وأجهزة الرصد الملاحي.
ليبقى السؤال الملح الذي تتقدم إجابته على طرحه: دولة لا تمتلك قدرات بشرية أو تكنولوجية لإدارة سمائها والتفرقة بين الصاروخ والطائرة فهل لها أن تمتلك أسلحة نووية؟ فإذا كان الخطأ في الحالة الأولى أسفر عن عشرات الضحايا، فكم ستكون كلفة الاستخدام "الخاطئ" لرأس نووي.
إيران الآن لم يعد أمامها سبيل إلا استعطاف المجتمع الدولي لتجاوز الأزمة التي ألقت بظلالها داخليا أيضا عندما خرجت الاحتجاجات المنددة بالنظام، رافعة لافتات تهاجم خامنئي وسليماني، في رسالة واضحة جلية بأن صبر الشعب الإيراني نفد ولم يعد الرصيد يكفي لمواجهة أزمة جديدة، فهل تطلق الطائرة الأوكرانية الرصاصة الأخيرة على نظام الملالي؟ أم ينتظر العالم إلى أن يفيق على كارثة جديدة لا يمكن تداركها؟.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة