العراق على مقياس التوتر... لهيب آب يرفع حرارة الأزمة
شهرٌ لاهبٌ مناخيا وسياسيا، عاشه العراق في أغسطس/آب الجاري الذي يأبى إلا أن يسجل درجات حرارة عالية على مقياس فوضى سياسية تضرب البلاد.
ففي أغسطس/آب، امتدت ألسنة غضب يوليو/تموز، زاحفة نحو ساحات الاعتصام تحت قبة البرلمان، تنشد التغيير لتنبئ باجتثاث رواسب سياسية واجتماعية واقتصادية تراكمت عبر سنوات مضت، فتسببت في استياء واحتقان وغليان.
الصدر والتنسيقي.. صورة اعتصامين
فمنذ نهاية يوليو، ارتفع منسوب التوتر بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وخصومه في "الإطار التنسيقي" وهو تحالف سياسي يضم فصائل موالية لإيران.
وفيما يواصل أنصار الصدر اعتصامهم عند مبنى البرلمان، نصب المعسكر الآخر خيامه على طريق رئيسي يؤدي إلى أحد مداخل المنطقة الخضراء المحصنة التي تضم مقرات حكومية وبعثات دبلوماسية بينها السفارة الأمريكية.
معسكران تصدح باسميهما مطالب تتمثل بحل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، وهذا هو حال الصدريين.
أما "الإطار التنسيقي" فيريد إجراء هذه الانتخابات بشروط، مطالبا بتشكيل حكومة قبل إجراء الاستحقاق البرلماني.
الصدر يتراجع ولكن..
لكن الصدر المولود عام 1974، والمعروف بعمامته السوداء، والذي أظهر لخصومه السياسيين أنه يمسك بقاعدة شعبية واسعة، تحدث، السبت الماضي، عن تحول واضح في موقفه.
فالرجل الذي حين يرفع سبابته ويعقد حاجبيه يحبس العراق أنفاسه، اعتبر أن مطلبه السابق بحل البرلمان وإجراء الانتخابات، "أقل أهمية حاليا"، مضيفا مطلبا جديدا.
وقال الصدر بحسب ما نقل عنه صالح محمد العراقي المعروف بـ"وزير القائد" على حساب الأخير في تويتر: "هناك ما هو أهم من حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة. الأهم هو عدم إشراك جميع الأحزاب والشخصيات التي اشتركت بالعملية السياسية منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003 وإلى يومنا هذا (...) بما فيهم التيار الصدري، أقول ذلك وبملء الفم"، الحزب الذي يقوده الرجل.
وللتأكيد على مقترحه هذا الذي اعتبره بديلا للمبادرات المحلية والإقليمية والدولية، أعطى الصدر – بحسب تلك التغريدة- نفسه مهلة 72 ساعة، ليكون على استعداد "لتوقيع اتفاقية تتضمن ذلك"، مشددا على أنه "إذا لم يتحقق ذلك، فلا مجال للإصلاح".
بيْد أنه وقبل انتهاء تلك المهلة، خرج الصدر يعلن رحيله عن الحياة السياسية، محدثا صدمة في الشارع العراقي، سرعان ما وصلت رياحها إلى المنطقة الخضراء موقعة 12 قتيلا وعشرات الجرحى من الصدريين.
فما إن أعلن الصدر اعتزاله الحياة السياسية، نزل أنصاره إلى شوارع العاصمة بغداد، واخترقوا الحواجز الخرسانية التي تحرس ما تسمى المنطقة الخضراء وموقع البرلمان ومكاتب الحكومة العراقية والبعثات الدبلوماسية ، بما في ذلك السفارة الأمريكية، قبل أن تندلع مواجهات مع محتجي "الإطار التنسيقي" تخللها إطلاق نار، أوقع 23 قتيلا ومئات الجرحى.
تحقيق في الأحداث
وتعقيبا على تطورات الإثنين، وجّه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بفتح تحقيق عاجل بشأن ما جرى في المنطقة الخضراء، ومنع إطلاق النار على المتظاهرين من أي طرف.
وقال المالكي إن "قواتنا الأمنية مسؤولة عن حماية المتظاهرين، وأية مخالفة للتعليمات الأمنية بهذا الصدد ستكون أمام المساءلة القانونية".
حظر تجول
في هذه الأثناء، فرضت بغداد ومعظم المحافظات حظر التجول مساء الإثنين، فيما أغلقت قوات الأمن الطرق جنوب العاصمة لمنع وصول المزيد من المحتجين من المحافظات الجنوبية التي تعتبر معاقل للصدر.
وأعلنت إحدى تلك المحافظات، وهي ذي قار ، إغلاق جميع المكاتب الحكومية، اليوم الثلاثاء، بسبب مخاوف أمنية.
مزيج قابل للاشتعال
وعلى الرغم من أن الاضطرابات السياسية واحتجاجات الشوارع شائعة في العراق، إلا أن تطورات يوم الإثنين، مع مزيج قابل للاشتعال من الانقسامات بين الفصائل الشيعية والتعدي على مؤسسات الدولة، إلى جانب الجمود السياسي، يمكن أن تشكل مرحلة أكثر خطورة.
وكان العراق بدون حكومة جديدة منذ انتخابات أكتوبر/تشرين الأول الماضي ، عندما فاز المرشحون الموالون للصدر بأكبر كتلة من المقاعد وتغلبوا على الأحزاب السياسية الشيعية المنافسة المدعومة من إيران.
مشهدٌ ترك البلاد مع حكومة تصريف أعمال تحاول جاهدة معالجة المشاكل الاقتصادية الملحة، مثل إقرار ميزانية سنوية ، من بين أولويات أخرى.
ويرى مراقبون أنه إذا بقي تعهد الصدر بالانسحاب من السياسة قائما ، فقد يمهد الطريق لمنافسيه المدعومين من إيران لتشكيل نواة حكومة جديدة.
غير أنه في المقابل، تظل قدرة الرجل على حشد مئات الآلاف من أتباعه في جميع أنحاء العراق، تمنحه إمكانية تنظيم احتجاجات من شأنها أن تهدد أية حكومة جديدة إذا رغب في ذلك.
ورغم ذلك، تثار تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الخطوة الأخيرة للصدر بالاعتزال السياسي، يمكن أن تكون تكتيكا لتعزيز موقفه التفاوضي في نهاية المطاف، ليعلن عن أفول أغسطس الغاضب؟