السيستاني.. زعيم ديني براجماتي يضبط نبض العراق
يعتبر المرجع الأعلى لعدد كبير من شيعة العراق والعالم، والزعيم الديني الذي يضبط نبض بلاد الرافدين.
علي السيستاني؛ أبرز العلماء المجتهدين الشيعة في العراق، وزعيم الحوزة العلمية في النجف، وهي المدرسة الدينية التي تدرس فيها علوم الفقه والشريعة، ولأنه أبرز المجتهدين في المذهب الشيعي الاثني عشري، فإنه يحمل لقب آية الله العظمى.
له وزنه الروحي وتأثيره السياسي أيضا في العراق.. وما بين البعدين، تتأرجح مسيرة استثنائية ومعقدة لزعيم ديني يعتبر خبراء أنه يتحلى بأعلى درجات البراجماتية التي مكنته من أن يكون "ولاية فقيه من نوع آخر" خالية من رعونة النسخة الإيرانية.
لقاء البابا
لقاء مغلق جمع السيستاني (90 عاما)، السبت، وبابا الفاتيكان، البابا فرنسيس، بمدينة النجف الأشرف جنوبي العراق، في محطة بارزة من زيارة الزعيم الروحي لأكثر من مليار مسيحي في العالم إلى العراق.
لقاء يستبطن أهمية كبرى، ويترجم التأثير والهالة التي يتمتع بها السيستاني؛ هذا الزعيم الديني الذي حافظ على سلطته المعنوية رغم التقلبات التي يشهدها العراق والعالم على مختلف الأصعدة.
مكانة لم يكن من الهين الاحتفاظ بها أيضا في ظل ما شهده العراق في تاريخه الحديث من أزمات وتعقيدات، حيث نجح السيستاني -حتى في مرحلة ما بعد سقوط نظام صدام حسين- في المحافظة على رصيد احترام الشيعة ولكن أيضا في أوساط السنة والأكراد.
التفاف واتفاق نادرا ما يحصل حول شخصية واحدة، لكن السيستاني كسر القاعدة وأكد ببراجماتيته أن التعايش واحترام الآخر يشكل سر الوحدة، وهو الذي لطالما دعا إلى احترام الأقليات وحماية المسيحيين وكنائسهم.
سيرة
ولد السيستاني العام 1931 في مدينة مشهد بإيران، وتلقى تعليمه في قم قبل أن يستقر في 1952 بالنجف، حيث خلف العام 1992 أبو القاسم الخوئي.
فرض عليه نظام صدام حسين الإقامة الجبرية، لكن مع سقوط الأخير، صعد إلى الواجهة متسلحا بدعوات للاعتدال، ودعا في 2004 إلى تنظيم انتخابات ديمقراطية.
ظهوره في المشهد العراقي بقوة بدأ منذ 20 عاما، أي حتى قبل سقوط نظام صدام حسين، وإن أصبح تأثيره السياسي أقوى بعد 2003، نظرا لما يتمتع به الرجل من ثقل ديني وثقافي في وعي العراقيين.
لكن إجمالا، وعلى مدار 3 عقود، تمكن السيستاني من إعادة تحديد دوره بشكل راديكالي، ليصبح ليس المرجعية الدينية فحسب، بل السياسية أيضا أحيانا، وسط فوضى عارمة شهدها العراق في الكثير من محطاته الفاصلة.
يميل السيستاني إلى اتخاذ مواقف معتدلة جعلته واقعيا، وهو النهج الذي تعتمد عليه سلطته وسمعته، وهو أيضا ما رشحه مرتين لجائزة نوبل للسلام في عام 2005 و2014.
يحرص السيستاني على إيصال مطالبه عبر ممثليه في صلوات الجمعة، وهي مطالب تتعلق بتنفيذ القانون والحرب على الفساد ومصادرة الأسلحة غير المرخصة.
كما أدان السيستاني كل المحاولات الرامية إلى تقسيم العراق إلى مناطق نفوذ مختلفة، في رسائل واضحة إلى مليشيات إيران بالبلاد، وإن لم يذكر أبدا أسماء معينة.
ورغم وزنه الروحي وحتى السياسي، فإن السيستاني شخصية متواضعة إلى أبعد الحدود، حيث يكتفي بسكن زاهد في إحدى الأسواق الشعبية الداخلية بالنجف، ويحرص على تغطية أرض بيته بالسجاد الرخيص، فيما لا تتجاوز ضيافته كؤوسا من الشاي المختمر.
الموقف من إيران
رغم أصله الإيراني، فإن علاقته بالنظام في طهران اتسمت بالسلبية المضبوطة، حيث فضل -على المستوى العقائدي- الحوزة الصامتة، ودور الظل لرجال الدين، على الحوزة الناطقة التي انتهجها الخميني جاعلا الحوزة هي الدولة.
تمسك باعتدال جعله حصنا بوجه إيران، حتى إن خصومه رأوا فيه "ولاية فقيه من نوع آخر"، خالية من رعونة النسخة الإيرانية، حيث يحرص على انتقاء الشخصيات التي يلتقيها، وهو الذي رفض استقبال القائد السابق لفيلق القدس الإيراني قاسم سليماني.
aXA6IDMuMTQ5LjI1MC4xIA== جزيرة ام اند امز