لعبة "الحديد والنار" في العراق.. من المستفيد؟
مع اشتعال نيران الأزمة في العراق كان مراقبون يفتشون عن المستفيد من بقاء البلاد في أزمتها المستعصية واستمرار كرة الصدام والاستقطاب.
ووفق المراقبين، فإن الوضع الراهن يصب في مصالح أطراف وقوى داخلية وإقليمية تدرك جيداً أن قيام دولة المؤسسات سيسحق مكتسباتها غير الشرعية، ويفتح ملفات الفساد.
وكانت الأزمة السياسية في العراق تصاعدت مع إعلان نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة في أكتوبر/تشرين الأول 2021، حيث شككت قوى الإطار التنسيقي في النتائج ووجهت اتهامات لأطراف دولية ومحلية بممارسة التزوير والتلاعب في إعدادات البيانات الإلكترونية.
قابل ذلك، تمسك رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر بما خرجت به نتائج الانتخابات التشريعية، تاركا خيار الاعتراض للقوى المنافسة والخصوم عبر الآليات الدستورية والطرق القانونية.
إلا أن تلك المواقف التي تفاعلت من خلالها الأزمة السياسية ونمت حتى مستويات التصادم المباشر وتهديد السلم الأهلي، تغيرت بعد قرار الصدر توجيه نوابه الـ73 إلى تقديم الاستقالة وترك ساحة التنافس على صراع تشكيل الحكومة.
إذ إن قوى الإطار التنسيقي التي تلقفت إرث التيار الصدري النيابي ما أعاد الدماء إلى حظوظها الانتخابية، باتت متمسكة بنتائج انتخابات أكتوبر/تشرين الأول، والسعي لتحويل مخارجها إلى تطبيقات واقعية عبر انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف مرشح لرئاسة الوزراء، بعد أن قدمت نفسها على أنها صاحبة "الكتلة النيابية الأكبر".
وتبرز تلك الأحداث وطبيعة التعامل مع الآليات الديمقراطية، المزاج السياسي لقوى الإطار التنسيقي والكيفية التي تحرك عقيدة الربح والخسارة في الوصول إلى السلطة والبقاء عند مشهدها المؤثر والفعال.
لكن المشهد الراهن الذي يسيطر فيه الإطار التنسيقي على مجريات الأمور ويعد الفائز الأول بالوضع الراهن، جاء على أنقاض مشروع الصدر مع حلفاء من القوى السنية والديمقراطي الكردستاني، لتشكيل حكومة بعيدة عن المحاصصة السياسية.
وكان هذا المشروع، وفق مراقبين، بارقة أمل وفرصة لتصحيح المسار السياسي في تشكيل الحكومات المتعاقبة على العراق ما بعد 2003، في محاولة لإسدال الستار عن المحاصصة في تقاسم السلطة، والسير إلى فضاء الأغلبية الوطنية التي تضم أكبر الفائزين.
رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، وخلال حديث لـ"العين الإخبارية"، يقول إن "المضي بمشروع الصدر السابق أو الحالي يعني تسليم القوى المرتبطة بإيران إلى منصات القضاء وكشفها بشكل علني أمام الرأي العام"، وبالتالي فإن الاعتراض والمماطلة تأتي من واقع خيارين مفروضين لا ثالث لهما، "الموت أو البقاء".
وكان الصدر دعا مع الأيام الأولى لاقتحام أنصاره المنطقة الرئاسية وإعلان الاعتصام المفتوح، إلى حل البرلمان والمضي بإجراء انتخابات مبكرة وفق آليات دستورية جديدة تمنع تكرار حكومات المحاصصة والتوافق.
ويضيف فيصل أن "معرفة المستفيد من بقاء الأزمة واجترار جوانبها في مسارات معقدة ومجهولة، يؤشر على ماهية الخلاف والاختلاف وطبيعة الصراع ما بين أطراف المشهد السياسي في العراق".
ويلفت فيصل إلى أن "قوى الإطار لا تزال لم تقرأ جيداً كيف يفكر الصدر وماهية الخيارات التي من الممكن أن يعتمدها لتعطيل رغبتهم في البقاء وقطع الطريق أمام تكرار سيناريوهات التقسيم والمحاصصة، وهنا تكمن مخاطر الأزمة وتحولاتها في الأيام المقبلة بما قد يضع البلاد أمام كارثة من الدماء والضحايا".
المحلل السياسي نبيل جبار العلي، يؤكد أن "قوى الإطار ربما تكون المستفيدة من الأزمة، كونها تدافع عن استحقاقات حصدتها بعد رحيل نواب الصدر وباتت قاب قوسين أو أقرب من تشكيل الكتلة الأكبر وبالتالي فإنها تحاول حتى النفس الأخير لالتقاط مبتغاها في السلطة".
ويضيف العلي لـ"العين الإخبارية" أن "قوى الإطار تراهن على النفاذ من خاصرة الأزمة للوصول إلى القصر الحكومي وتمتين نفوذها السياسي، إلا أن ذلك مغامرة كبيرة وقد تخطأ حساباتها، خاصة أننا دخلنا اليوم في مرحلة الصدام المباشر بعد اعتزال الصدر".
وكان الصدر وخلال مواقف وبيانات رافقت خطاباته ما بعد انتخابات أكتوبر/تشرين الأول، حذر من التدخلات الإقليمية وتمترس الداخل على إرادات الخارج. ومراراً كان الصدر يكرر في بياناته "حكومة لا شرقية ولا غربية"، خالية من "التبعية السياسية".
وتضم قوى الإطار التنسيقي كيانات ذات مليشيات مسلحة متورطة بدماء العراقيين وعمليات فساد كبيرة ساهمت في نهب ثروات البلاد وتعطل بناء المرافق الحيوية والخدماتية.
كما ترتبط أغلب الأحزاب المنضوية تحت مسمى الإطار التنسيقي بعلاقات مقربة من طهران، خصوصاً أن الأخيرة تمد كل أسباب الدعم والإسناد للحفاظ على سلامة أذرعها السياسية التي عملت على صناعتها منذ نحو عقدين في العراق.
aXA6IDE4LjExOC4xNTQuMjM3IA== جزيرة ام اند امز