اقتصاد العراق رهن الحكومة الجديدة.. ملف حرج لا يحتمل الاجتهاد والخطأ
يعيش اقتصاد العراق مرحلة حرجة لا تتوافر فيها رفاهية الصمود أمام جدالات ومغامرات الأطراف السياسية المختلفة.
وعقب إعلان نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تنتظر البلاد انبثاق حكومة من رحم تلك النتائج لن يكون أمامها فرصة "للاجتهاد والخطأ" في تشخيص وعالجة أزمات الاقتصاد.
وعلى الرغم من الثروات الطائلة التي يمتلكها العراق إلا أنه ومنذ سنوات يعاني جملة من الاختلالات البنيوية في الهيكل الاقتصادي انعكست في الآونة الاخيرة بارتفاع حاد لمستويات البطالة ومعدلات الفقر.
- العراق ينضم لمحاربي بيتكوين.. بيان شديد اللهجة من بغداد
- أزلام إيران يختطفون العراق.. من محاولة الاغتيال للتحشيد والحصار
ويرجع مختصون أسباب التراجع والاختلاف ما بين المدخلات الكبيرة للموارد القومية والمخرجات المتواضعة باتجاه دخل الفرد وضمانات المستقبل الاقتصادي، إلى سوء التخطيط وتفشي الفساد وفقدان العقل المنتج.
وتتزاحم الكثير من التعقيدات التي تقف حجر عثرة في طريق الاستقرار المفقود في العراق على مستويات مختلفة، إلا أن الاقتصاد يعد حجر الزاوية الذي بخلافه تبقى جميع التداعيات قائمة، بحسب خبراء في ذلك الشأن.
حكومة بالأرقام
وتقول الاقتصادية والباحثة سلام سميسم إنه "لا حديث عن استقرار مؤسساتي وبناء رصين لدولة قوية دون اقتصاد راكز واع يستند إلى تخطيط وتركيب علمي مدروس".
وتضيف سميسم، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "التحديات الاقتصادية التي تعصف بالعراق والتي تمثلت في الركود وتراجع الدينار أمام الدولار وما ترافق معه من ارتفاع في مستويات التضخم، يفرض على المعنين من أصحاب القرار إيجاد حكومة جديدة تفهم ما يجري بالأرقام".
وواجه الاقتصاد العراقي خلال عامي 2020 وبدايات 2021، تحديات كبيرة ارتبطت بانخفاض أسعار النفط الخام جراء تفشي جائحة كوفيد-19 وقيود الإغلاق التي فرضتها بتراجع الأنشطة الاقتصادية في العالم.
ويمثل النفط من مجموع مدخلات العراق أكثر من 85%، مما يجعل اقتصاد البلاد الريعي تحت طائلة تقلبات السوق الخام في ظل غياب لتعضيد واردات الدولة وإيجاد البدائل.
تلك التحديات أدت إلى نشوء مخاطر كبيرة أثقلت كاهل الاقتصاد العراقي المأزوم قبل الجائحة مثل ارتفاع مستويات الدين ومضاعفة المشاكل الهيكلية والبنيوية الداخلية والخارجية، وارتفاع العجز بالموازنة وزيادة هشاشة المالية العامة، مما ولد ضغوطات على السياسة النقدية واستقرار أسعار الصرف.
وتلفت سميسم إلى أن "التعقيد في المعدل العام لمستويات التنمية والبناء وتفاقم الأزمات ومؤشراتها الخطيرة يتطلب أن تتقدم العقلية الاقتصادية على الجانب السياسي في زي الحكومة المنتظر انبثاقها من نتائج أكتوبر".
وتؤكد سميسم، أن "لدى العراق التزامات موقعة مع صندوق البنك والنقد الدوليين تفرض على البلد إيجاد المعالجات والحلول حتى يستطيع التواصل مع العالم الخارجي بمنظومته الاقتصادية وليس كما يتصور البعض إن الأمر محصور باحتياج الداخل وترتيبات المشهد المحلي".
وتستدرك في القول:" الكاظمي جاء بورقة إصلاحية اقتصادية يشترط الذهاب نحو تطبيق بنودها وإنزال مقرراتها على مفاصل الدولة بوجود حكومة مقبلة قادرة على استكمالها بالشكل المخطط لها والموضوعة من اجلها".
وكان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قدم برنامجاً اقتصادياً شاملاً عرف بـ"الورقة البيضاء"، نهاية العام الماضي، التي عدها خبراء خارطة طريق لتحقيق بناء اقتصادي موثوق وقادر على مجابهة التغيرات.
وجاءت ورقة الكاظمي، على وقع أزمة اقتصادية مالية خانقة دفعت الحكومة العراقية إلى الاقتراض الداخلي والخارجي لتأمين رواتب موظفيها.
الخطأ المميت
في العقد الأخير، شهد العراق العديد من التظاهرات الاحتجاجية التي اتسمت بالغضب والتصعيد وغالباً ما كانت وراء اندلاعها أسباب اقتصادية بحتة بينها فرص العمل والافتقار إلى البنى التحتية في القطاع الخدماتي سواء في الصحة أو الطاقة او شبكات الصرف الصحي.
وتفاقمت شرارة السخط الشعبي عند خريف 2019، بتظاهرات عارمة امتدت إلى أكثر من 10 محافظات، احتجاجاً على سوء الأوضاع المعيشية والخدمية، فضلاً عن تفشي الفساد واستنزاف المال العام في مشاريع "وهمية".
الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن المشهداني، قال إن "العراق شهد خلال العامين موجة احتجاجات قوامها الإصلاح الاقتصادي بعد أن استشعر المواطن خطر ما يجري رقماً وليس تصوراً كمياً".
ويضيف المشهداني لـ"العين الإخبارية"، أن "الحديث في العراق يجري عن تضخم وعجز وفقر وتحديات مائية مناخية وهي جميعها متراكبة ووصلت إلى مرحلة التفاقم والإنذار العالي".
ويعطف بالقول: "في كل الدول المتقدمة يتقدم النموذج الاقتصادي على السياسي في بناء الحكومات وقد عثرنا على نسخ ناجحة ومتطورة وخير تلك الأمثلة ما شهدته ألمانيا خلال الثلاث عقود الماضية".
ولكن الوضع في العراق يختلف ويتجافى مع المفترض أن يكون، بحسب المشهداني، فخلال الحكومات السابقة وجدنا أن "وزير المالية يحمل شهادة الهندسة ووزير التجارة يمتلك مؤهل علمي لا علاقة له بمهام عمله ".
ويتوقع المشهداني أن "تتشكل حكومة جديدة من رحم الانتخابات التشريعية المبكرة لا تختلف عن سابقاتها في الاتيان بشخصيات سياسية عبر المحاصصة لا علاقة لها بالملف الاقتصادي".
ويعقب في قوله:" العراق لا يحتمل المزيد من الأخطاء.. العلل وصلت إلى مرحل خطرة ولن ينفع الاجتهاد أو التجريب".
ويقترب ذلك مع رأي الأكاديمية سميسم، التي تقول إن "المعطيات الحالية تؤكد تكرار السيناريو الحكومي. وتحذر بشدة "سنكون أمام إسقاطات كارثية أقلها تمزيق الخريطة أو انتفاضة دماء وكلاهما خيارات مرة ومكلفة".
aXA6IDE4LjE5MS45Ny4yMjkg جزيرة ام اند امز