هل تعقد «قضية التجسس» متاهة التحالفات في العراق؟
بددت قضية "التنصت" في مكتب رئيس وزراء العراق حالة الاستقرار السياسي التي سادت منذ أزمة التيار الصدري التي خيمت على البلاد قبل نحو عامين
ولا تزال القوى السياسية والإعلام في العراق منشغلة بالقضية التي باتت تعرف بـ"شبكة محمد جوحي" الموظف في مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
وانفجرت الفضيحة في أفضل وكالة استخبارات في البلاد وتحولت إلى عاصفة في بؤرتها مكتب رئيس الوزراء، الأمر الذي يلقي بظلاله على مصير التحالفات القائمة في الساحة السياسية.
وفي 28 أغسطس/آب، بدأت الأخبار تتوالى من التقارير الاستقصائية حول حملة مراقبة سياسية واسعة النطاق شملت مكتب رئيس الوزراء، حتى إن السياسيين والعراقيين ممن اعتادوا الهزات الكبرى أصيبوا بالصدمة.
وفي 3 سبتمبر/أيلول الجاري، ألقي القبض على المصور الشخصي لرئيس الوزراء على خلفية القضية، فيما قال سياسيون شيعة إن "خلية التنصت حاولت الإيقاع وتطوير مواد مساومة للسيطرة على شخصيات سياسية مختلفة، بمن في ذلك أعضاء البرلمان والمسؤولون القضائيون وضباط المخابرات وأفراد عائلات الشخصيات المهمة".
وأشار "معهد واشنطن"، إلى أنه "بالنسبة للولايات المتحدة، تعتبر هذه القضية مؤشرا صارخا آخر على أن العراق ليس مستقرا كما يتم تقديمه في بعض الأحيان.
وسرعان ما تكدست تقارير عن "الفضيحة" من قبل وسائل إعلام، وتشير الأصداء الزلزالية في بغداد - بما في ذلك الاجتماعات الطارئة العديدة التي عقدتها الفصائل السياسية - إلى أن هناك الكثير من النار خلف الدخان المرئي.
أيام حبلى
ووسعت قضية التجسس من رقعة الخلافات بين قوى الإطار التنسيقي الشيعي (التحالف الحاكم) والسوداني، حيث تصاعدت حدة تلك الخلافات بين الأمين العام لعصائب أهل الحق (جماعة مسلحة) قيس الخزعلي الذي كان من أشد الداعمين للسوداني.
وذكر معهد واشنطن، أن "شبكة جوحي كانت تتمركز في مكتب رئيس الوزراء ويديرها مجموعة مسؤولين كبار و11 خبيرا من شعبة الإنصات".
وفيما يعتقد الفريق الحكومي المقرب من السوداني، أن قضية محمد جوحي ضُخمت من قبل وسائل الإعلام وكل ما حصل هو أن موظف انتهك القانون وخالف مهامه الوظيفية وأصبحت قضيته بيد القضاء للتحقيق معه.
لكن الشكوك أطلقت من عقالها وأصبح السؤال ما إذا كانت القضية تشكل تهديدا لبقاء الإطار الحاكم في العراق.
ويعتقد المحلل السياسي والأكاديمي ضياء أبو معارج الدراجي، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن "تحالف الإطار متماسك، ما يجعل المهدد بصورة أكبر هو السوداني الذي لا يملك كتلة ساندة في مجلس النواب (البرلمان) ويمكن للإطار إذا شعر بفشله أن يدعو لانتخابات مبكرة".
وطرح عدد من قيادات الإطار التنسيقي من بينهم زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، قضية إجراء انتخابات مبكرة قبل موعدها المقرر أواخر عام 2025.
وعن قضية التجسس والتجديد للسوداني، قال الدراجي "قضية التجسس في مكتب رئيس الوزراء المسؤول عنها رئيس الوزراء نفسه علم أو لم يعلم بها".
واعتبر الدراجي أن "احتمالية بقاء السوداني لدورة ثانية تكاد تكون معدومة"، لافتا إلى أنه يمكن أن يكون "تساهل السوداني مع القضية لعلمه بعدم تجديد ولايته وربما ستكون هناك انتخابات مبكرة".
خطوة نحو الصدر
الكاتب والمحلل السياسي محمد علي الحكيم أكد لـ"العين الإخبارية" أنه "بعد قضية تنصت محمد جوحي اهتزت العلاقة بين السوداني والعصائب (الداعم الرئيسي لحكومة السوداني)، مما يرجح اقتراب رئيس الوزراء من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر".
وأضاف الحكيم "تحالف الصدر مع السوداني مرهون بطبيعة العلاقة بين عصائب أهل الحق والسوداني، خاصة أنه بعد أزمة التنصت، كل المعادلات السياسية والتحالفات المستقبلية غير واضحة المعالم وقد تنقلب رأسا على عقب".
ورأى أنه "من غير المستبعد بعد الضربات التي تلقاها السوداني خلال الأسابيع الأخيرة من عدة جهات أن تفكر العصائب جديا في الفرار من السفينة".
وتابع "إذن كل المعادلات السياسية بعد قضية جوحي في العراق قابلة للتغير، لكن رجوع التيار الصدري للعملية السياسية يبدل كل المعادلات السياسة، وبالتحديد سيكون لاعب رئيسي ومنافس داخلي حقيقي للعوامل الإقليمية والدولية بتسمية الرئاسات الثلاث".
لا تفكير بولاية ثانية
من جهة، قال نائب مقرب السوداني لـ"العين الإخبارية"، إن الأخير لا يفكر بالحصول على ولاية ثانية وكل ما يركز عليها هو تقديم الخدمات للشعب العراقي في هذه المرحلة.
وأضاف: "نعم لدى السوداني نية بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية عام 2025 سواء بقائمة واحدة أو بتحالف مع قوى سياسية أخرى وهذا أمر لم يعد خفياً على القوى السياسية".
وأضاف "هناك قوى من الإطار التنسيقي لا يروق لها أن يشارك السوداني بالانتخابات البرلمانية المقبلة لمفرده أو بمعزل عن الإطار؛ لأنه سوف ينافس الإطار في قواعدهم الشعبية".
ويعد رئيس الوزراء الأسبق زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي أبرز المتخوفين من دخول السوداني بقائمة انتخابية واحدة أو بتحالف مع آخرين، على ما يقول مراقبون.
الصدر يفاتح السوداني
وأشارت مصادر لـ"العين الإخبارية"، أنه منذ فترة بدأت قنوات الاتصال فعالة بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر والسوداني بشأن المرحلة المقبلة والانتخابات البرلمانية القادمة.
وبحسب المصادر فإن "الصدر لم يعارض تولي السوداني ولاية ثانية شريطة أن يدخل بالانتخابات بمفرده بعيداً عن قوى الإطار التنسيقي الحاكم".
وتمكن الإطار من إبعاد الصدر عن المشهد السياسي وإجباره على الاستقالة وذلك بعد أن وصلت البلاد إلى مرحلة انسداد سياسي وشفا حرب داخلية عام 2021.
وتتوقع المصادر أن "يحصل السوداني على 30 إلى 40 مقعدا في الانتخابات البرلمانية المقبلة في حال قرر المشاركة بمفرده"، مضيفة أن "المفاوضات الدائرة بين الصدر والسوداني في الغرف المغلقة وصلت إلى مراحل متقدمة".