الاتجار بالبشر بالعراق.. جرائم تنتظر الردع وشهادات تنشد الحساب
قبل أشهر قليلة، استيقظت مدينة الصدر العراقية على خبر انتشال جثة شاب مفرغة من أحشائه الداخلية، وذلك بعد اختفائه لأسابيع.
لم تكن تلك الجريمة الأولى بين أزقة المدينة الفقيرة وحتما لن تكون الأخيرة، فظاهرة اختطاف أشخاص بغرض بيع أعضائهم البشرية باتت من الجرائم الشائعة وإن يظل صداها بين السكان ساريا لفترة نظرا لبشاعة التفاصيل.
ووفق "منتدى فكرة"، لا تقتصر آفة الاتجار بالبشر في العراق على تجارة الأعضاء البشرية فقط وإنما تتفرع لتشمل استغلال الأطفال للتسول وإجبار النساء على العمل في شبكات الدعارة وغيره.
ومما يمنح الظاهرة أرضية خصبة في العراق ما يوفره عدم الاستقرار الاقتصادي وأنشطة المليشيات الموالية لإيران من ثغرات اجتماعية وأمنية جعلت القضية ملحة بشكل متزايد في بلاد الرافدين.
"عبدة للرجال"
في تقرير لمؤلفه الصحفي العراقي والناشط الحقوقي علي أحمد رحيم، نشره "منتدى فكرة" عبر موقعه الإلكتروني، واطلعت عليه "العين الإخبارية"، استعرض شهادات حية لضحايا ظاهرة تمثل مسألة معقدة ومتشابكة تتداخل فيها عدة عوامل ومسببات.
شيرين (19) عاماً؛ هربت من منزلها في محافظة البصرة أقصى جنوبي العراق بعد إقناعها من قبل أحد السماسرة التابعين لشبكات الدعارة في بغداد بتوفير السكن وفرصة عمل في شركة أهلية يدعي امتلاكها.
وعلى غرار شيرين، يوجد في العراق، وفق التقرير، ممن وقعوا ضحايا الاتجار بالبشر لسبب أو لآخر، لكن المؤكد هو أن الظروف ًالاقتصادية السيئة تشكل أبرزها، إذ يفتقر أغلب الضحايا للموارد المالية ولا يمتلكون دخلا ثابتا.
أحمد؛ شاب عراقي يبلغ من العمر 25 عاما، يقول مستعرضا تفاصيل رحلته الأليمة مع الظاهرة: "تعرضت لي مجموعة شباب وأنا عائد إلى المنزل ليلاً، واضطررت للتشاجر معهم، لكن أحدهم أخرج أحدهم سكيناً وطعنني في منطقة البطن ثم هربوا".
وأضاف: "أسعفني شابان كانا بالقرب من الحادثة حيث نقلاني إلى منزل وكنت لم أفقد الوعي بعد وتم إدخالي إلى غرفة عمليات موجودة داخل المنزل وجرى تخديري على الفور، وحين استيقظت وجدت نفسي على الرصيف بالقرب من مكان المشاجرة وفي جسدي خيوط جراحية واكتشفت فيما بعد أنهم سرقوا إحدى كليتي من جسدي".
وبحسب التقرير، فإن ظاهرة الاتجار في البشر تمثل مسألة معقدة ومتشابكة بالعراق، وتتداخل فيها عدة عوامل ومسببات، مما يتطلب تظافر جميع أجهزة الدولة المعنية لمواجهة تلك الظاهرة. ومن ثم، يجب على الحكومة العراقية الشروع في اتخاذ بعض الإجراءات الفورية التي قد تساهم في الحد من تفشي الآفة.
ومن ثم، يضيف التقرير: ينبغي على الحكومة اتخاذ إجراءات صارمة لمنع تجنيد الأطفال من قبل الجماعات المسلحة، بما في ذلك وحدات الحشد الشعبي والمليشيات، وتقديم الخدمات والحماية والتأهيل اللازم للجنود الأطفال الدين تم تسريحهم.
وحث التقرير الأجهزة الحكومية في العراق على العمل لتحديد هوية الضحايا بشكل استباقي وإحالتهم إلى خدمات الحماية ودعمهم، وتعديل قانون مكافحة الاتجار بالبشر للتأكد من مقاضاة المتاجرين المتورطين وإدانتهم وإصدار أحكام صارمة ضدهم، بما في ذلك المسؤولين الحكوميين المتواطئين.
كما دعا الحكومة العراقية للعمل على تحسين الوضع الاقتصادي المزري وتوفير المزيد من فرص العمل للشباب وخاصة الفتيات اللواتي يمثلن أبرز ضحايا ظاهرة الاتجار بالبشر.
آفة العراق
بدأ انتشار الاتجار بالبشر في العراق بعد عام 2003 بأشكاله المختلفة ما بين استغلال الأطفال للتسول وإجبار النساء عل العمل في شبكات الدعارة وتجارة الأعضاء البشرية.
ولكثرة انتشار هذه الجرائم، أقر البرلمان العراقي قانون رقم (28) لسنة 2012 والذي عرف الاتجار بالبشر بأنه "تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم، بوساطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة أو ولاية على شخص آخر، بهدف بيعهم أو استغلالهم في أعمال الدعارة أو الاستغلال الجنسي أو السخرة أو العمل القسري أو الاسترقاق أو التسول أو المتاجرة بأعضائهم البشرية أو لأغراض التجارب الطبية".
أما دوليا، فأعلن تقرير صادر في 2020 عن وزارة الخارجية الأمريكية أن الحكومة العراقية لا تفي بشكل كامل بالمعايير الدنيا للقضاء على ظاهرة الاتجار بالبشر، ولكنها تبذل جهودًا كبيرة لتحقيق ذلك.
من جانبه، قال المرصد العراقي لضحايا الاتجار بالبشر إن "الأطفال دون السادسة عشر يشكلون ثلثي الضحايا"، مسجلا 13جريمة اتجار في بغداد والمحافظات، وذلك في تقريره الخاص بشهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ورصد "ثلاث شبكات للاتجار بالبشر في بغداد يستدرجون ضحاياهم من خلال صفحات وهمية على وسائل التواصل الاجتماعي".
وأشار المرصد إلى أن "شخصيات حكومية متورطة في هذه الشبكات توقع ضحاياها من خلال نفوذها في المؤسسات الأمنية".
ويعزو مراقبون اتساع ظاهرة الاتجار بالبشر في العراق إلى تزايد حدة الفقر والبطالة، وضعف الأمن، وقوة المليشيات التي تقوم بدعم الشبكات الإجرامية والانتفاع منها مادياً.
كما أدى أيضا غياب القانون وضعف دور الأجهزة الأمنية في العراق لانتشار الجريمة المنظمة وسيطرة العصابات، ما جعل بغداد في قائمة أسوء المدن للعيش في العالم، بحسب التقرير.
aXA6IDE4LjIyMi4xMjEuMjQg جزيرة ام اند امز