لم تكن السعودية الوحيدة في السعي لعودة العراق إلى مكانه الطبيعي فالإمارات بادرت بدعم اقتصاد العراق وتشجيع الاستثمار على الأرض العراقية.
كان وما زال العراق دعامة وأساسّاً ثابتا في المشروع القومي العربي، وإن مر بانتكاسات سياسية عديدة أبعدته عن المحور العربي سواء إبان حكم صدام حسين أو ما بعد سقوطه، إلا أنه يظل في عيون العرب وتظل اليد العربية ممدودة له إيماناً بوحدة المشروع العربي وتظل عين العراق ترنو إلى أشقائه يقيناً بأن اليد العربية هي يد قوة وعزة لا يد إضعاف واستغلال، وما زيارة سمو أمير الكويت "صباح الأحمد الجابر الصباح" وحفاوة الاستقبال في بغداد إلا عنواناً رئيساً لهذه الحقيقة التي تبلورت بعد أن تضافرت في بنائها رؤيتان حكيمتان الأولى عربية والثانية عراقية:
أولاً: الرؤية العربية: فقد أدركت الدول العربية ضرورة الأخذ بيد العراق من بحر التبعية السياسية، وضرورة مد اليد له انطلاقاً من فهم واقعه السياسي المعقد عقب الاحتلال الأمريكي، وتركه لتجاذبات بعض السياسيين العراقيين الذين انصاعوا لإيران ومشروعها في عزل العراق عن محيطه العربي وجعله حديقة خلفية لطهران.
بدأت الدول العربية تتفهم الموقف العراقي والخارطة السياسية التي تحكمه أسوة بالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فقد بادرت المملكة ودولة الإمارات بمد اليد العربية للعراق بعد سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي على مساحات واسعة منه، وظهرت هذه اليد ظهوراً جلياً عقب دحر التنظيم وترجمت بعدة قرارات عملية اتخذتها المملكة في هذا الجانب بدءاً بفتح المعابر الحدودية وليس انتهاءً بالمنشآت الحيوية التي سيستفيد منها العراقيون على مختلف انتماءاتهم العرقية والدينية.
كل هذا يقودنا إلى أن الكيان العربي كلٌّ لا يتجزأ وأنه ما زال موجوداً وبقوة وإن مسته الضراء يوماً. وأن اليد العربية لا تنكر يد أشقائها ولا سيما في مثل هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الأمة العربية التي تستلزم مثل هذه المواقف والتقاربات العربية لتشكل سداً منيعاً في وجه الأطماع
لم تكن السعودية الوحيدة في السعي لعودة العراق إلى مكانه الطبيعي فالإمارات العربية المتحدة بادرت بدعم الاقتصاد العراقي وتشجيع الاستثمار على الأرض العراقية -راجع الأرقام التي ذكرها الوزير "أنور قرقاش" في مؤتمر الكويت الدولي لإعادة إعمار العراق- وما زيارة أمير الكويت "صباح الأحمد الجابر الصباح" إلا تأكيد على أن اليد العربية ممدودة للأشقاء العراقيين.
فعلاوة على أهمية الزيارة السياسية والاقتصادية والتاريخية، فهي الأولى من نوعها منذ غزو "صدام حسين" للكويت في تسعينيات القرن الماضي إذا ما استثنينا الزيارة التي قام بها الأمير "صباح الأحمد الجابر الصباح" في ترؤسه لوفد الكويت خلال حضور أعمال القمة العربية في بغداد عام 2012.
أما هذه الزيارة فهي في إطار العلاقات الكويتية العراقية التي لم تكن في أحسن حالاتها منذ ما يقارب ثلاثة عقود ولها أبعاد رمزية كطي الماضي، وعدم تحميل الشعب العراقي الذنب في جريمة اقترفها نظام الحكم في عهد صدام حسين، والتأكيد على أن الرؤية السياسية العراقية جزء لا يتجزأ من الرؤية العربية لاحتواء التوتر الحاصل في المنطقة.
كما تعكس التفهم العربي لواقع العراق السياسي وعدم التحامل على تحفظاته على بيان القمة العربية الأخيرة في مكة المكرمة والتأكيد على الوقوف العربي الكامل ولا سيما الخليجي إلى جانب العراق سياسياً واقتصادياً تمهيداً لعودته الكاملة إلى مساره الطبيعي وهو المسار العربي الموحد.
الثاني: بروز التيار القومي العراقي: فقد أدرك الساسة العراقيون في المحنة الأخيرة "حرب الإرهاب" التي عصفت بالعراق وألحقت به المزيد من الدمار والانفلات الأمني لدحر تنظيم "داعش" لا ملاذ له سوى الأشقاء العرب بعد أن كشر الجميع عن أنيابهم لاستغلال محنة العراق وكسب الأوراق السياسية وجره إلى خانة التبعية المطلقة، ولا سيما من قِبل "إيران" لتأتي زيارة الزعيم "مقتدى الصدر" عام 2017 للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مؤكدة هوية العراق والعراقيين، وأن الأخوة العربية تزيدهم قوة لا ضعفاً مهما تعددت مشاربهم ومعتقداتهم، ولا سيما إذا ما رصدنا حفاوة الاستقبال والتكريم للصدر في زيارته للمملكة ودولة الإمارات.
كما تأتي في هذا الإطار مبادرة رئيس الوزراء العراقي السابق "حيدر العبادي" الذي بدأ بالسير نحو أشقائه العرب فلم يتوانوا ولم يتأخروا في مد يد الأخوة العربية على الرغم من أن "العبادي" كان محسوباً على طهران التي ما إن رأت نزعته القومية العربية حتى بادرت إلى إضعاف تكتله السياسي، وهذا ما أتى عليه في تصريحاته الأخيرة كي لا يمنح فرصة أخرى ويعمل على إعادة العراق إلى مساره العربي. ولكن هذا لم يسهم إلا في تعرية الأطماع الإيرانية التي باتت في مأزق على الساحة العراقية، ليعلو صوت التيار القومي إذ لم تعد حكومة "عبدالمهدي" للنهج الذي بدأه العبادي وارتفع صوت العروبة حتى بين من كانت تحسبهم إيران لها.
وما انتفاض مدينة البصرة عام 2018م وهتافات جماهيرها بصوت واحد "الإيراني يطلع برة" إلا تأكيد على أن العراق مهما تعددت طوائفه ومعتقداته يظل بلداً عربياً له سيادته وكيانه وحِماه المحرمة.
كل هذا يقودنا إلى أن الكيان العربي كلٌّ لا يتجزأ وأنه ما زال موجوداً وبقوة وإن مسته الضراء يوماً. وأن اليد العربية لا تنكر يد أشقائها ولا سيما في مثل هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الأمة العربية التي تستلزم مثل هذه المواقف والتقاربات العربية لتشكل سداً منيعاً في وجه الأطماع الخارجية الإقليمية والدولية في خضم المشاريع المختلفة التي تطمع في تفكيك المشروع العربي الموحد وتحويله إلى مشاريع تكتلات وأحزاب سياسية ضيقة تابعة لها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة