التعاون الإيراني مع كوريا الشمالية لم يقتصر على البرامج الصاروخية، وهناك فرضية بتوصلهما لقنابل نووية، يمكنها تهديد الملاحة بمضيق هرمز.
أفرز المشهد في منطقة الخليج العربي خلال الساعات القليلة الماضية العديد من التساؤلات الجوهرية والمثيرة، لا سيما بعد إسقاط الإيرانيين لواحدة من أهم القطع الاستخباراتية الأمريكية، والتي يطلق عليها وحش الاستخبارات، الطائرة "أم كيو – 4 سي"، القادرة على جمع المعلومات وصنع الأعاجيب تجاه الأعداء .
التساؤل الأهم والمقلق: ما الذي دعا إيران إلى الدخول ضمن دائرة ما أطلق عليه البعض "التهور الاستراتيجي"، بمعنى التعرض للخطوط الحمراء الأمريكية، أي الأهداف العسكرية الأمريكية، في منطقة الخليج العربي؟
لقد رأينا طوال الأشهر القليلة الماضية تحركات إيرانية حول الأطراف، وعبر استخدام الوكلاء، لكن إيران كانت تحجم عن الاقتراب من أي دائرة يتقاطع فيها التصادم مع الجانب الأمريكي، وعليه فإن إسقاط أحدث طائرة تجسس أمريكية فوق المياه الدولية هي مسألة تعد خرقا لكل الخطوط الحمراء الأمريكية، وباتت علامة الاستفهام: "من أين للإيرانيين مثل هذه الثقة غير المسبوقة؟".
الشاهد أنه لا يمكن الإجابة دون النظر إلى الجانب الآخر، حيث تبدو الولايات المتحدة منقسمة وربما مرتبكة ما بين الرد الفوري الذي يحفظ لها هيمنتها وقطبيتها المنفردة، وحفاظا على أسطورة تفوقها العسكري. كما أن هناك تساؤلا أكبر قد يصل إلى حد الاستهجان من قبل البعض، وهو أنه كيف يمكن أن تصمت واشنطن ولو ساعات بعد الحادث ولا تنتقم شر انتقام مرة وإلى الأبد؟
هناك في واقع الأمر مقاربة تاريخية تدور في أذهان الأمريكيين منذ إسقاط الطائرة، ففي العام 1988 انفجر لغم بحري إيراني، في فرقاطة الصواريخ الأمريكية "صموئيل روبرتسون"، وكانت قد انتقمت واشنطن في عهد رونالد ريجان شر انتقام، إذ أهلكت نصف الأسطول الإيراني في ذلك الوقت، في عملية تعرف باسم "براينغ مانتيس" أو "فرس النبي".
لماذا لم يقدم ترامب على رد فعل مباشر وبسرعة شديدة، لا سيما أننا نستمع لفترة من أن الخطط العسكرية لمواجهة إيران جاهزة وحاضرة، وأن إقدام إيران على أي عمل عسكري سيواجه بردات حاسمة وحازمة، تجعل فرائص الملالي ترتعد في الحال؟
ناهيك عما تسرب عن الصحافة الأمريكية بنوع خاص، والذي يدور حول السبب وراء اتخاذ ترامب قرارا استراتيجيا بضرب بعض الأهداف النوعية، لا سيما تلك المتصلة بقواعد الصواريخ التي أسقطت الطائرة المسيرة، ثم العدول عن القرار تاليا. وظهور قصة الرسالة التي تم نقلها لخامنئي وانتظار الرد، وهي قصة لم تثبتها مصادر أمريكية رسمية، وإنما تناقلتها الوكالات عن الإيرانيين، ما يجعل الشكوك واسعة وعريضة حول مصداقيتها .
يكاد يكون كل ما تقدم من تحليلات تخطئ أو تصيب، إنما مسألة حيازة إيران سلاحا نوويا ولو تكتيكيا، مسألة خطيرة ينبغي أن توضع تحت البحث والدرس، وبعناية فائقة، لخطورتها وتأثيرها على تغيير الأوضاع في المنطقة.
باختصار غير مخل، هناك العديد من التفسيرات المتعلقة بالتصرفات الأمريكية على هذا النحو، وبعضها تسرب عن مصادر روسية عسكرية واستخباراتية، مثل أحاديث الخبير العسكري الروسي "ميخائيل خودارينوك"، الذي لفت الانتباه إلى أن إيران ربما تمتلك أسلحة نووية تكتيكية، تجعل الأمريكيين يعيدون حساباتهم أكثر من مرة قبل الإقدام على أي مغامرة عسكرية تجاه إيران .
يقول الراوي إن التعاون الإيراني مع كوريا الشمالية لم يقتصر فقط على البرامج الصاروخية، وهناك فرضية أن الطرفين توصلا إلى قنابل نووية تكتيكية صغيرة، يمكن من خلالها للإيرانيين أن يهددوا سلامة الملاحة في مضيق هرمز لعقود طوال، مع ما يعنيه هذا الأمر من انهيار لأسواق الطاقة عالميا، وساعتها ستكون الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمة الخاسرين، وسيفقد ترامب فرصته في البقاء في البيت الأبيض مرة ثانية، ناهيك عن احتمالات تحول الأمر إلى مواجهة عالمية يتعاطى فيها الروس والصينيون نصيبهم من الصراع الأممي .
عطفا على ذلك، فإن سلاحا من هذا النوع يمكنه أن يكون مهددا لكل البنى التحتية الأمريكية في المنطقة، لا سيما العسكرية منها، ويضع آلاف الجنود الأمريكيين والقواعد والشركات المدنية وغيرها في مرمى قنابل الإيرانيين الفتاكة، الأمر الذي يعني تحول المنطقة إلى جحيم.
وما يرجح هذه النظرية بالنسبة لأصحابها، هو الثقة الكبرى وغير المسبوقة التي يتعامل بها الإيرانيون مع الجانب الأمريكي، وهو ما لم نشهده من قبل، ما يجعل هذا السيناريو واردا بدرجة أو بأخرى.
هناك طرح آخر يذهب إلى أن القصفات التي كان ترامب ينتوي إحداثها كانت موجهة لصواريخ روسية الصنع، من النوع الذي أسقط هذه الطائرة. وهنا فالقضية أكبر من مجرد المواجهة مع إيران، إذ تعود بنا إلى زمن الحرب الباردة، والصراع الإسرائيلي العربي، حيث كان الصدام قائما وقتها بين السلاح السوفيتي والسلاح الأمريكي، ولم يكن يهم الأمريكيون في هذا الإطار سوى أن يظل السلاح خاصتهم هو الأكثر تفوقا على نظيره الروسي.
الآن استطاع السلاح الروسي القديم والأقل كلفة أن يسقط فخر الصناعات الأمريكية العسكرية، فهل سيقبل المجمع الصناعي العسكري الأمريكي ما حدث؟
نحن نعلم علم اليقين أن هذا المجمع هو الفاعل والحاكم الحقيقي في الداخل الأمريكي، وعليه فقد كان من المتوقع أن يدفع هؤلاء أضلاعهم الثلاثية لرد الضربة لإيران وإثبات أنهم الأقوى، وتتمثل الأضلاع الثلاثة في أصحاب المصانع العسكرية من جهة، ونواب الكونجرس الذين يتلقون التبرعات من جهة ثانية، وجنرالات البنتاجون الذين يقودون الحرب من ناحية ثالثة .
هنا يطفو في التحليل أمر جلل.. هل أحجم الرئيس ترامب عن قصف السلاح الروسي حتى لا يدخل في دائرة مواجهة عسكرية أكبر مع الروس، يمكن أن تعود بالعالم إلى حرب عالمية، وربما حتى يفقد صداقات مع القيصر؟ وقد يقول أعداء ترامب إن الرجل يخشى من إثارة غضب الروس الذين يمتلكون معلومات عن إشكاليته المعروفة بـ"روسيا – غيت "، وقضية التنصت على الديمقراطيين في انتخابات الرئاسة 2016.
يكاد يكون كل ما تقدم من تحليلات تخطئ أو تصيب، إنما مسألة حيازة إيران سلاحا نوويا ولو تكتيكيا، مسألة خطيرة ينبغي أن توضع تحت البحث والدرس، وبعناية فائقة لخطورتها وتأثيرها على تغيير الأوضاع في المنطقة .
وقت كتابة هذه السطور كان الهدوء الحذر يخيم على الأجواء، وربما مع ظهورها للنور يكون الرئيس ترامب قد اتخذ قراراً حاسماً، وتخلى عن الصبر الاستراتيجي. أما في حال قراءة هذه السطور في ظل أجواء تقليدية فإن هذا يعني بصورة ما أن هناك شبها من حقيقة، يفتح المجال لصحة تلك المعلومات والتحليل المتقدم .
الليالي حبلى بالمفاجآت تلدن كل عجيب وغريب .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة