العراق يلاحق أمواله المهربة في مصارف لبنان.. هل يفي السوداني بوعوده؟
يسعى رئيس الحكومة العراقية للوفاء بتعهدات برنامجه الوزاري وأبرزها محاربة الفساد وحماية المال العام من الهدر الذي يعانيه منذ عقدين.
إذ تحرك البنك المركزي العراقي باتخاذ قرار تضمن وقف نقل أرصدة المودعين في البنوك اللبنانية إلى مصرفين عراقيين، على خلفيات شبهات فساد وغسيل أموال.
وأظهرت وثيقة قرار البنك المركزي العراقي الموجّهة إلى المصارف العراقية كافة، أنه "لمقتضيات مصلحة العمل ولأغراض رقابية وتدقيقية تقرر إيقاف إجراءات نقل الأرصدة من المصارف اللبنانية إلى مصرف الرافدين فرع بيروت، وحساب مصرف الرشيد المركزي في مصرف لبنان المركزي".
- مكاسب متبادلة.. العراق ومبادرة الحزام والطريق
- هل ينجح صندوق "السوداني" في إنقاذ العراق من القحط الطارئ؟
الوثيقة الممهورة بتوقيع نائب محافظ البنك المركزي العراقي عمار حمد خلف، جاءت بعد يوم واحد من بيان لهيئة النزاهة العراقية قالت فيه إنّ "الهيئة العليا باشرت التحقيق في عمليَّة نقل الأرصدة المودعة في البنوك اللبنانيَّة إلى مصرف الرافدين في بيروت".
والثلاثاء الماضي أعلنت هيئة النزاهة الاتحاديَّة، عن مباشرة الهيئة العليا لمكافحة الفساد بالتحقيق في عمليَّة نقل الأرصدة المودعة في البنوك اللبنانيَّة، فيما أشارت إلى أن التحقيقات الأوليَّة تمخض عنها استقدام مسؤولين في مصرف الرافدين واستدعاء آخرين في البنك المركزي.
وقالت الهيئة في بيان حصلت "العين الإخبارية"، على نسخة منه، إن "الهيئة العليا لمكافحة الفساد باشرت بأولى قضايا التحقيق وهي عمليَّة نقل الأرصدة المودعة بالبنوك اللبنانيَّة إلى مصرف الرافدين في بيروت".
وذكرت الهيئة العليا بحسب البيان أنها "تجري التحقيق في شبهات فساد بعمليَّة نقل الأرصدة، فضلاً عن الحساب المصرفي لمصرف الرشيد في البنك المركزي اللبناني"، مشيرة إلى أن "قاضي تحقيق محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزيَّة أصدر بناءً على تحقيقاتها في القضيَّة، أوامر باستقدام المدير العام لمصرف الرافدين السابق ومعاونه؛ على خلفية وجود شبهات فساد في عملية نقل الأرصدة المودعة في البنوك اللبنانية، فيما قرر استدعاء مسؤولين آخرين في البنك المركزي".
ويأتي القرار بعد يوم من لقاء للسفيرة الأمريكية في بغداد، آلينا رومانوسكي، مع محافظ البنك المركزي العراقي، مصطفى غالب، وأوضحت في تغريدة أنّ الاجتماع ركّز على موضوع غسل الأموال، و"الحاجة إلى محاربة الفساد".
وأكدت رومانسكي خلال الاجتماع على "الحاجة إلى دعم الإصلاحات في القطاع المصرفي والمالي، والحاجة إلى العمل معاً لمحاربة الفساد وغسل الأموال".
ووصف رئيس الحكومة العراقية محمد السوداني، الفساد المستشري في البلاد خلال منح الثقة لحكومته في المجلس النيابي بـ"الجائحة"، متوعداً بجملة من الإصلاحات الاقتصادية بينها فتح الملفات الكبرى واسترداد الأموال المنهوبة وتقليل ضغط الإنفاق الاستهلاكي.
وبحسب تصريحات سابقة للجان النزاهة النيابية، تقدر حجم الأموال المهربة خارج العراق بطرق غير شرعية بنحو 350 مليار دولار خلال 18 عاماً.
وكان السوداني قد أجرى أولى جولاته الخارجية إلى الأردن والكويت بهدف تعزيز العلاقات مع البلدين، وإيجاد الدعم لاسترداد الأموال المنهوبة بحسب مصادر مطلعة.
وفي أبريل/نيسان الماضي، أثارت تصريحات نائب رئيس الحكومة اللبنانية سعاد الشامي القلق والجدل بين الأوساط العراقية ممن لديهم ودائع مالية تقدر بعشرات مليارات الدولارات.
وأعلنت الحكومة اللبنانية في ذلك الحين عن خسائر مالية كبرى تعرض لها البنك المركزي مما يعرضها للإعلان عن إفلاسها رسميا على وقع أزمة اقتصادية تعيشها البلاد منذ سنوات.
وبحسب مصادر مطلعة فإن الكثير من تلك الأموال جاءت نتيجة عمليات تبييض كبيرة خلال العقدين الأخيرين لقاء حصولهم على تسهيلات من مصارف لبنانية لإدخالها دون عمليات تدقيق متبعة.
الخبيرة الاقتصادية، سلام سميسم، وخلال حديث لـ"العين الإخبارية"، تشير إلى أن "ذلك التحرك جاء متأخراً حيث كان من المفترض أن يأتي قبل نحو عام مع إعلان لبنان إفلاسه المالي".
وتضيف سمسم، أن "الكثير من الأموال المودعة في مصارف لبنان جاءت عبر قنوات ومسارات غير شرعية غابت عنها دوائر الرقابة والسلطات المختصة بتدفق حركة الأموال وبالتالي فإن ذلك يعكس غياب التخطيط والرؤى الاستراتيجية القائمة على حماية الاقتصاد العراقي وتحصين الأموال من الاستنزاف".
وبشأن ذلك التوقيت في قرار البنك المركزي، توضح سميسم، أن "تحرك العراق يأتي في ظل ضغوط دولية لتحجيم الفساد في البلاد والسيطرة على حركة الأموال وتهريب العملة وما لذلك من انعكاسات خطيرة على الأمن الإقليمي والدولي في استغلالها من قبل الإرهاب واستخدامها في عمليات اتجار غير مشروعة كالمخدرات".
فيما يقول الخبير الاقتصادي، مصطفى البرزكان لـ"العين الإخبارية"، إن "الأموال التي تقبع بمصارف لبنان تتجاوز الـ72 مليار دولار وبات من الصعب استرجاعها في ظل التعقديات الحالية".
ويتابع بالقول:"هناك توجهات من قبل المصارف اللبنانية في تبيض تلك الودائع وأن يجري تعويض بعض منهم كحد أعلى بـ100 ألف دولار".
ويشدد البزركان، على "ضرورة أن تتحرك الحكومة العراقية على الأقل لتثبيت لتلك الأرقام عبر الأنظمة المالية الدولية المختصة حتى يتسنى لها فيما بعد المضي باسترجاعها".
وتعليقا على قرار البنك المركزي العراقي، اعتبر الخبير الاقتصادي العراقي صفوان قصي في حديث تابعته "العين الإخبارية"، أن "كل الاحتمالات واردة وقد يكون قرار وقف التعامل مع البنوك اللبنانية بعيد الكشف عن شبهات فساد ضخمة"، مشيرا إلى أن "عملية السيطرة على حركة النقود تتطلب نظاما إلكترونيا شاملا لتتبع حركة الأموال بين المصارف العراقية، وإذا كان هناك إثبات بتكبد العراق خسائر كبيرة نتيجة نقل الأرصدة المودعة بالبنوك اللبنانية إلى مصرف الرافدين العراقي فرع بيروت، سيعتبر ذلك عملية احتيال على القانون المصرفي العراقي".
وأضاف صفوان، أن "المبالغ الضخمة التي كانت عالقة في البنوك المتعثرة بلبنان، حصل مودعون عليها بمجرد إكمال عمليات نقل الرصيد في الفترة الماضية، وبالتالي قرار البنك المركزي العراقي جاء متأخراً وكان من المفترض وضع حد لهذه العمليات من خلال نظام إشراف شامل على كل المصارف العراقية، ما يثير علامات استفهام حيال إعادة النظر في هيكلة نظام القطاع المصرفي العراقي".