منذ سقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين عام 2003 وحتى اليوم شهدت عدة محافظات ومدن عراقية وعلى فترات متباعدة مظاهرات مناوئة للسلطة
منذ سقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين عام 2003 وحتى اليوم شهدت عدة محافظات ومدن عراقية وعلى فترات متباعدة مظاهرات مناوئة للسلطة تفاوتت دوافعها بين مطلبية وخدمية وأحيانا بمضامين سياسية؛ سعيا لإجراء إصلاحات سياسية على أكثر من صعيد، المظاهرات عكست بطريقة أو بأخرى بروز ظاهرة مستجدة على مشهد العمل السياسي العراقي الذي ظل مشلولا لصالح حكم الحزب الواحد (حزب البعث) على مدار نصف قرن تقريبا.
انتفاضة الشباب العراقي في بعض المدن تعبير صارخ عن عدم انكسار الإنسان العراقي رغم هول المصائب التي تعرض لها ولا يزال، وتجسيد لأهمية دوره في خياراته الشخصية والوطنية، ورفضه للاستلاب من أي جهة كانت داخلية أو خارجية.
معظم تلك المظاهرات كانت تحركها دوافع حزبية نابعة إما من سعي تيار حزبي لإثبات وجوده واستعراض قدرته على الحشد خلفه كما يحصل عادة عند التيار الصدري، وإما من رغبة تيار آخر بالمناكفة السياسية وإيصال رسائله عبر الشارع، ولكن ما يجمع هذين النموذجين هو افتقار كل واحد منهما لهدف قابل للتحقق أو على الأقل لمطالب تضع السلطات العراقية أمام تحد شعبي وحزبي ضاغط، وغالبا كانت تنتهي بطي صفحتها عبر وساطة مرجعية دينية هنا أو مصالحة هناك.
المشهد حاليا في شوارع بعض المدن العراقية مختلف عما سبقه، بل يمكن القول إنه مغاير جذريا لسابقه من حيث الشكل والأهداف، والسبب جوهري يتمثل في أن المحتجين حاليا هم من طبقة الشباب في غالبيتهم العظمى ويرفعون مطالبهم الخدمية والمعيشية لتأمين فرص العمل، وتوفير الخدمات الأساسية للمجتمع العراقي وإصلاح البنى الأساسية للبلاد، بالتزامن مع مطالبهم السياسية المتمثلة بإسقاط نظام الحكم بصبغته الطائفية، والمطالبة بخروج إيران من العراق.. متلازمة رافقت مسارح الاحتجاجات في المدن العراقية في الوسط والجنوب ذات الأغلبية السكانية الشيعية، ومع كل ما ينطوي عليه ذلك من مضامين وأبعاد فإنه يعكس حجم الوعي الوطني المتبلور في فكر هؤلاء المحتجين الذين لم يجدوا حرجا ولم يترددوا في الإفصاح عن هذا الوعي عبر إعلانهم عن عدم تبعيتهم لأي تيار ديني أو فصيل حزبي أو جماعة سياسية، ما يمنح هذه الاحتجاجات بعدها الوطني.
منذ أكثر من ستة عشر عاما تناوبت على العراق حكومات أفرزتها الأغلبية البرلمانية لهذا التكتل أو ذاك بصيغ حكم ائتلافية في معظم الأحيان كون نظام الحكم في البلاد صار برلمانيا من حيث الشكل، لكن في ممارساته ونهجه وسياسته داخليا وخارجيا بقي صدى لمشروع إيران في العراق وخارجه.
جميع تلك الحكومات والأحزاب التي تقف خلفها إيران أخفقت في بلورة هوية سياسية للدولة العراقية بمفهومها العام مما ألحق بها فشلا كبيرا خاصة في التقاط فرصة إنشاء دولة وطنية بمفهومها السياسي، بل الذي حصل هو العكس حيث انكفأت الأحزاب التي وصلت إلى السلطة إلى صيغة حكم وسلطة حزبية فئوية فتجذر الفساد فيها إلى حدود تجاوزت كل تصنيفات المنظمات والمؤسسات الدولية المعنية برصد هكذا ظواهر رافقها عدم اهتمام ولو بالحد الأدنى من العمل لترسيخ معايير للدولة بمفهومها السياسي فظلت سلطاتها ما دون الدولة عموما وما قبل الدولة الوطنية بشكل خاص.
عوامل عديدة أسهمت في ذلك أبرزها يتمثل في اللون الطائفي لنظام الحكم والمحاصصة الطائفية العرقية لإدارة الدولة، وكذلك الارتهان الخارجي لإيران التي تغلغلت في مفاصل الدولة العراقية عبر مساري السلطة القائمة ومؤسساتها من جانب، والأحزاب الدينية الشيعية والقومية من جانب آخر، التي وإن تباينت مواقفها وتعارضت أساليب أدائها إلا أنها تبدأ وتنتهي عند مرجعيتها الإيرانية مذهبيا وسياسيا.
تشكل وحدة الأهداف المحركة لاحتجاجات الشباب العراقي، السياسية منها والمطلبية، قاسما مشتركا في مواجهة احتمالات اختراق صفوفهم ليس بالعنف المفرط فحسب، والذي بدا جليا، بل في مواجهة ضغوطات دينية أو عشائرية أو حزبية محتملة من شأنها أن تنزع عنها بعدها الوطني وتسلب منها إرادة الاستمرار في التعبير عن الهدف الوطني الأشمل للمجتمع العراقي بكل أطيافه السياسية والدينية والعرقية.
انتفاضة الشباب العراقي في بعض المدن تعبير صارخ عن عدم انكسار الإنسان العراقي رغم هول المصائب التي تعرض لها ولايزال، وتجسيد لأهمية دوره في خياراته الشخصية والوطنية، ورفضه للاستلاب من أي جهة كانت داخلية أو خارجية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة