يسعى العراق إلى تبرير مواقفه من سياسية المحاور، إلا أن جوهر موقفه هو التبعية شبه الكاملة إلى إيران
هل كان موقف العراق مصيباً أم خاطئاً في خياره الوقوف ضد إرادة العرب؟ ما الذي يجنيه من هذا الموقف؟ وما تداعياته المستقبلية على نفسه والمنطقة؟
هذه الأسئلة تضع العراق على المحّك العملي والاختباري وسط أجواء التوتر التي تعيشها المنطقة العربية حالياً، فقد حاولت القمم الثلاث التي عُقدت في مكة أن تتلمس الطريق السليم وسط العاصفة الأمريكية-الإيرانية، نحن نشهد حالياً تدهور الموقف العربي وتشتته، وانشغال معظم البلدان العربية بأوضاعها الداخلية المتفجّرة، وهذا من شأنه أن يُضعف الموقف العربي، بغض النظر عن ردود الأفعال من القمم الثلاث، إلا أن الهدف الجوهري لها هو تحشيد التأييد العربي ضد تجاوزات إيران وأهدافها السرية والمعلنة في زعزعة المنطقة.
لا يزال العراق، وللأسف الشديد، غارقاً في رؤية ضبابية لا يعير أهمية إلى مصالحه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وكان الأجدر به أن يثبت موقفه من القمم الثلاث كفرصة ذهبية للاندماج في بيئته العربية والتخلي عن أوهام إيران، ومرة أخرى أخفقت الدبلوماسية العراقية في الاختبار
يسعى العراق إلى تبرير مواقفه من سياسية المحاور، إلا أن جوهر موقفه هو التبعية شبه الكاملة إلى إيران، وهذا ما يثير البلدان العربية والخليجية التي وحدّت موقفها إزاء إيران، وقد أصبح الصراع حاداً بين موقفين لا ثالث لهما في صراع الأقطاب الدولية وتأثيراتها على المنطقة.
لم يأت الموقف من القمم الثلاث انطلاقاً من المبادئ الراسخة، بل من القوى الحاكمة من المليشيات التي تلتزم مع إيران عقائدياً وسياسياً، تلك التي تهدد بضرب المصالح الأمريكية في العراق، ولم يفصح الموقف العراقي عن حقيقة العلاقات الاستراتيجية مع إيران، بل يحاول تغطيتها بحجج واهية، تحت ضغوط التغلغل الاقتصادي الإيراني وتحكمه بخطط العراق ورؤيته إلى المستقبل، خاصة في مجال الطاقة وتمويل المليشيات المناصرة لها في تنفيذ سياسة الأذرع والأطراف، ومن ناحية أخرى يرتبط العراق باتفاقيات استراتيجية مع الولايات المتحدة في التدريب والأمن والنفط وغيرها.
لذلك يجد العراق نفسه وسط العاصفة، وهو على علم ودراية وخبرة بويلات الحرب مع إيران وتداعياتها وتأثيراتها، كان من الأجدى أن تكون هذه الحرب درساً للقادة العراقيين في أن العراق لا يمكن فصله عن الحضن العربي أبداً، كما أن مصالحه الأساسية وازدهار مستقبله ترتبط بالعرب وليس بإيران، ولو كان العراق قد توجه منذ احتلاله سياسة الانفتاح على منطقة الخليج لكان مصيره مختلفاً في الوقت الحاضر على جميع الأصعدة، لا سيما في مجال التطور والنمو، لكنه اختار الطريق الخاطئ في ربط مصالحه ومستقبله بإيران، لا أحد يستطيع أن ينكر تأثيرات إيران على المنطقة التي تعمل على زعزعة استقرار المنطقة برمتها.
وقد تجسد موقف العراق الخاطئ في اعتراضه على البيان الختامي للقمم العربية في مكة التي تعود لأسباب دفينة، وليس للأسباب الواضحة والعلنية، إذ لا يستطيع العراق رسم مستقبله إلا عندما يكون بعيداً عن الإملاءات والضغوط الإيرانية، ويعلم القادة العراقيون مدى تدخل إيران في الشؤون الداخلية في دول الخليج وفي أمنها، سواء بطرق مكشوفة أو خفيّة، ولكن رغم كل تلك التهديدات الخفية والعلنية إلا أن بلدان منطقة الخليج لا تسعى إلى إشعال الحرب، بل إلى تحجيم السياسة الإيرانية وجعلها تسير في اتجاه معتدل، ورفض سياسة المحاور ومد إيران لأذرعها في العراق وسوريا واليمن.
إن أمن المنطقة لا يمكن تجزئته بأي شكل من الأشكال، لذا فالعراق مطالب بأن يكون في جوهر هذه القضية لا أن يكون خارجها، ولكن مشكلة العراق تكمن في علاقته ببلدان المنطقة؛ لأن سياسته مرهونة بالطبقة السياسية العراقية التي لا تتصرف بحكمة وعقلانية، وانعدام وجود قرار موحد إزاء العلاقات الخارجية؛ لأنها تخضع للأهواء والانتماءات الدينية والحزبية، ولا توجد هناك رؤية موحدة تمثل الدولة العراقية لأنها ضعيفة الكيان.
لا يزال العراق، وللأسف الشديد، غارقاً في رؤية ضبابية لا يعير أهمية إلى مصالحه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وكان الأجدر به أن يثبت موقفه من القمم الثلاث كفرصة ذهبية للاندماج في بيئته العربية والتخلي عن أوهام إيران، ومرة أخرى أخفقت الدبلوماسية العراقية في الاختبار، وكان من الممكن أن يستعيد دوره الريادي في قيادة العمل العربي المشترك من خلال هذه الفرصة التاريخية.
هناك أسئلة تطرح نفسها بإلحاح:
هل يستطيع العراق أن يقف على الحياد من الصراع الأمريكي الإيراني؟ وهل يعترف العراق بحقيقة التدخلات الإيرانية في المنطقة ويتخلى عن التصريحات الإنشائية والدبلوماسية الفارغة؟ هل بإمكانه أن يصبح وسيطاً حيادياً بالفعل؟ وهل تستجيب واشنطن لطلبات العراق في هذا الشأن؟
الجميع ينتظر الإجابة عن هذه التساؤلات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة