ظلت مصر رائدة في هذه السياسة العربية حتى مرت بانتكاسة داخلية عقب موجة "الربيع العربي" التي حاولت حرف البلاد عن مسارها القومي العربي
كانت وما زالت مصر صمام الأمان للمشروع القومي العربي المشترك، فمنذ منتصف القرن العشرين ونيل الدول العربية استقلالها من الاستعمار الغربي كانت مصر رائدة المشروع القومي العربي، والداعم الرئيسي سياسياً وفكرياً وحتى عسكرياً لتعزيز استقلال واستقرار الدول العربية في إطار العمل العربي المشترك، على اعتبار أن الدول العربية وإن كانت مستقلة ذات سيادة إلا أنها كيان قومي واحد لا يمكن تجزئته.
كل ذلك يؤكد عودة مصر إلى ريادة وقيادة المشروع العربي، فقد كان الخطاب المصري حافلاً بلغة الحزم والحسم والقوة بعيداً عن المجاملات السياسية، انطلاقاً من أن هذه التهديدات خطيرة وجدية لا يمكن السكوت عليها أو مواجهتها بالسياسة فقط، بل لا بد من القوة والحزم بالتوازي مع الحكمة
وظلت مصر رائدة في هذه السياسة العربية حتى مرت بانتكاسة داخلية عقب موجة "الربيع العربي"، التي حاولت حرف البلاد عن مسارها القومي العربي، إلا أنها استطاعت اجتياز هذه المحنة، وها هي اليوم تعود إلى ريادتها في قيادة المشروع العربي، ولعل خطاب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في افتتاح القمة العربية الطارئة -التي عقدت في مكة المكرمة بدعوة من خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز قبل يومين- يؤكد وعي مصر وجديتها في تثبيت دعائم الكيان العربي الموحد، ويمكن رصد ذلك من خلال النقاط التي تناولها الرئيس السيسي في خطابه، والتي يمكن إجمالها في النقاط الآتية:
أولاً: اعتبار الأمن القومي العربي أمن واحد ولا يمكن تجزئته، فقد أكد الرئيس "السيسي" أن أمن منطقة الخليج العربي يمثل ركيزة أساسية للأمن القومي العربي ككل وليس حالة خاصة ببلد عربي، كما أن أمن الخليج كسائر الأمن القومي العربي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بل عضوياً بالأمن القومي المصري، كما يتضح من خطاب الرئيس السيسي التأكيد على الحزم والحسم وعدم التهاون في التعاطي مع كل ما يهدد أو يمس الأمن العربي، واقتضاء الوقوف وقفة عربية موحدة تجاه هذه التهديدات؛ لأن المقصد منها ضرب المشروع العربي بأكمله لا دولة عربية دون غيرها، فما تعرضت له المملكة العربية السعودية من هجمات إرهابية على مؤسساتها النفطية أو ما تعرضت له الإمارات العربية المتحدة من تخريب ومساس لأمنها المائي هو مساس بالأمن القومي العربي.
ثانياً: التأكيد على العمل برؤية عربية موحدة على المستويين الدولي والعربي، وذلك من خلال التأكيد على تدويل القضية -قضية تهديد الأمن القومي العربي- ومطالبة المجتمع الدولي باسم العرب جميعاً أن يقف موقفاً حازما تجاه ما يهدده؛ لأن أي مساس به سينعكس سلباً على العالم أجمع.
أما على المستوى العربي، فعلى الدول العربية دون استثناء أن تعي هذا الأمر، وألا تتهاون في التعاطي معه ضمن موقف عربي موحد يتسم بالحكمة ومد يد السلام والحوار بالتوازي مع يد القوة والحزم، والتأكيد على أن العرب دعاة سلام واستقرار وحسن جوار، ولكن في الوقت ذاته أشداء متحدون لا يفرطون بحقوقهم في الأمن والاستقرار.
ثالثاً: التأكيد على أن الحل الناجح وتحقيق الاستقرار الكامل وتثبيت دعائم الأمن العربي لا يمكن أن يكون بحل مسألة جزئية، بل لا بد من حل جميع القضايا العربية العالقة والعمل بجدية وصدق وحزم على حلها، بدءاً من القضية الفلسطينية وهي القضية المركزية لكل عربيّ، والتي لا يمكن أن تُحلّ إلا ضمن الثوابت الأساسية، كما لا بد من حل جميع الأزمات العربية في سوريا واليمن وليبيا على أساس وحدة أراضيها واستقلالها وسيادتها، بما يضمن طموحات شعوبها المشروعة في الحرية والعدالة.
رابعاً: عدم التهاون مع الأطراف الإقليمية المزعزعة للأمن والاستقرار العربي، وكذلك الأطراف العربية المتواطئة مع تلك القوى الإقليمية: فلا يمكن السماح لأي طرف إقليمي أياً يكن بأن يعبث بالأوضاع الداخلية لأي قطر عربي، وتحويله إلى ساحة محكومة بمليشيات تأتمر بأوامر إقليمية بعيداً عن المشروع العربي الموحد، في إشارة إلى عدم ترك الساحات العربية مفتوحة للتجاذبات الإقليمية دون تدخل عربي حازمٍ ومسؤول، كما ينبغي الوقوف بصراحة في وجه أي دولة عربية تضرب المشروع العربي الموحد بالتعامل مع تلك الجهات الإقليمية.
كل ذلك يؤكد عودة مصر إلى ريادة وقيادة المشروع العربي، فقد كان الخطاب المصري حافلاً بلغة الحزم والحسم والقوة بعيداً عن المجاملات السياسية، انطلاقاً من أن هذه التهديدات خطيرة وجدية لا يمكن السكوت عليها أو مواجهتها بالسياسة فقط، بل لا بد من القوة والحزم بالتوازي مع الحكمة، كما أن الخطاب المصري اتصف بأنه لم يقف عند حدود توصيف المشكلة بل تجاوز التوصيف إلى تقديم رؤية مصرية منطلقة من رؤية شاملة، وتأكيد على أن الأمن العربي كلٌّ لا يتجزأ.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة