من الطبيعي أن تجتاح الوسط والجنوب العراقي مظاهرات واحتجاجات متواصلة للأسبوع الثالث على التوالي، ويقودها الشيعة العرب.
من الطبيعي أن تجتاح الوسط والجنوب العراقي مظاهرات واحتجاجات متواصلة للأسبوع الثالث على التوالي، ويقودها الشيعة العرب ويرفعون شعارات ضد إيران وأحزاب السلطة والفساد المستشري لديها، مظاهرات تطالب بالخدمات كالماء والكهرباء وهي أبسط الحقوق الإنسانية التي حرمتها منهم إيران التي تم التعاقد معها، وأحزاب السلطة التابعين لها الذين جاء بهم الأمريكان ليحكموا العراق منذ 2003. وهاهم قد أتخموا بالثروة والثراء الفاحش ويعيشون في المنطقة الخضراء المحصنة، والتي تنعم بكل الموارد والترف ويحرمون الشعب الذي يعاني البطالة والفقر والجوع والحرمان بأقسى صوره، ويفتقر إلى أبسط الحقوق الإنسانية لتحويله إلى واحد من أفقر الشعوب في العالم، حتى انتشرت مشاهد الاستجداء ومظاهر الفقر بشتى أنواعه رغم غنى العراق، وما أهدر من أموال تقدر بأكثر من ألف ومائتي مليار دولار وعندها بات الشعب يترحم على جميع الأنظمة السابقة التي لا تقارن بهذا الطاغوت الجاثم عليه اليوم.
هذه المظاهرات تمثل استفتاء شعبيا كبيرا من الشيعة العرب لرفض الأحزاب الشيعية الطائفية التي تدعي الحكم باسمهم وباسم المظلومية لاسترداد حقوق الشيعة المزعومة، كما تعطي المظاهرات بوضوح مؤشرا على عزة الشعب العراقي ورفضه الذل والهوان
هذه المظاهرات هي المرحلة الثانية بعد مرحلة إعراض الوسط والجنوب (الشيعي العربي) بنسبة عظمى عن المشاركة في الإنتخابات التي دعت إليها المرجعيات الفارسية والأحزاب الفاسدة والمليشيات الطائفية التابعة لإيران. ومن الطبيعي انطلاقها من البصرة المنبع النفطي، حيث 60% من المخزون النفطي والخزين الاقتصادي الكبير مع شدة الحر الذي يتجاوز الخمسين، مع الحرمان المدقع حتى من أبسط الخدمات كالماء والكهرباء التي يدعي العبادي أن 40 مليارا صرفت عليها، والمقصود سرقت من مخصصاتها لتكون البصرة شرارة الانطلاق إلى العمارة والسماوة والناصرية، بل النجف وكربلاء وغيرها.
ولقوة المظاهرات وأثرها فإن رئيس الوزراء العبادي قد قطع رحلته من بروكسل مسافرا إلى البصرة لمحاولة تهدئة المتظاهرين، لكنهم رفضوا الحالة التسويفية والتخديرية بالأساليب الترقيعية المرتجلة حتى خرج العبادي من الباب الخلفي للفندق بحمايات مدججة، هروبا من المتظاهرين ومطالبهم.
كما أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبّر عن سياسيي الحكم باللصوص ووضع يده على مليارات من الدولارات موجودة في واشنطن، وقبله بول بريمر الحاكم الأمريكي مؤلف كتاب (سنتي في العراق) عبر عنهم بالمرتزقة واللصوص.
الإسلام السياسي الحاكم الذي يتاجر باسم الدين والمذهب، وهما منه براء، وصل طغيانه وفساده وجبروته واستخفافه بالشعب إلى منتهاه، قام بالتعتيم على المظاهرات والتغطية عليها والتغافل عنها إعلاميا وقطع الإنترنت الذي لم يقطعه عن داعش، واستعمال العنف المفرط من قبل المليشيات والأجهزة الأمنية واستعمال السلاح الحي الموجه ضد المتظاهرين واستشهاد نخبة واعتقال قيادات التظاهر وتعذيبهم في المقرات الحزبية والمليشياوية المختلفة، خصوصا حزب الدعوة ومليشيات بدر وتيار الحكمة.
لم تكن هذه المظاهرات الأولى، فقد سبقتها مظاهرات كثيرة، لا سيما مظاهرات المناطق الغربية 2012-2013 ذات مطالب سنية واضحة ولها قيادات معروفة وعوملت بالقمع المفرط من قبل نوري المالكي، ثم تدمير مدنهم والتغيير الديمغرافي في نينوي وصلاح الدين والأنبار. وكانت مظاهرات 2015 يقودها التيار الصدري وترفع صوره فيها. جاء حيدر العبادي عام 2014 على أساس توافق لعلاج مطالب الشعب ضد الفساد والفاسدين، لكن العبادي لم يقدم أي خطوة للإصلاح ومحاربة الفساد والمفسدين وتقديمهم للقضاء، وأنى له ذلك وهو ربيب حزب الدعوة التابع لولاية الفقيه والتي امتلت جعبته بالفساد وسرقة المال العام.
تميزت هذه المظاهرات بعدم اشتراك أي من القيادات السياسية ولا مقتدى الصدر المتحالف أخيرا مع الحشد ولم ترفع صوره ولا صورة أي عمامة ولا أي سياسي غيره، لأن البعض يعتبر الصدر أيضا جزءا من سلطة الفساد، وله وزارات ومسؤولون في مختلف أجهزة الحكم ولم يكونوا أقل سوءا من غيرهم.
كان النظام السياسي يطرح نفسه منقذا للشعب في مظلومية التاريخية المزعومة ويحتمي بالمرجعية الفارسية وإيران لحمايته من الشعب واليوم لقد كشف الشعب ظلمهم ونفاقهم وتقيتهم وفسادهم حتى ممن نادى يوما بهم توهما أنهم سيسعون إلى خدمته كما كانت شعاراتهم الكاذبة وتقيتهم الفاضحة.
بعضهم يعلق الآمال على حيدر العبادي لمعالجة الفساد والاستجابة لمطالب المتظاهرين، لكن الحقيقة أنّ ما قام به رئيس الوزراء المنتهية ولايته هو تخدير للشعب واستثمار شخصي لتحقيق مصالحه الشخصية؛ للحصول على ولاية ثانية مقابل خصومه السياسيين المتربصين له والمتأملين في سقوطه وانتزاع رئاسة الوزراء منه.
النظام الإيراني كان له دور في الفساد والظلم وحتى المظاهرات، لأن إيران امتنعت عن تزويد الكهرباء للعراق كما قطعت مياه عن شط العرب وغيره، خلافا لشعاراتها الكاذبة في عطش الحسين وإرواء شيعته في مظلوميتها التاريخية الكاذبة.
المرجعية الفارسية علي السيستاني في النجف لم يتحدث وكلاؤها، يوم الجمعة، عن المظاهرات إطلاقا وكأنّ شيئا لم يكن، ولأنّها أتخمت وحاشيتها بالفساد والمليارات، وكما أطلق عليها المرجع العربي محمد الصدر بـ"المرجعية الصامتة" التي لا تمارس دورها فيما ينبغي، فهي لا تتحدث ولا صوت ولا لون ولا طعم لها نعم ربما تسمع الفتوى عند طلبها من إيران أو الولايات المتحدة اللذين جاءا بها إلى المرجعية، حيث سمعنا فتوى السيستاني بعدم مقاومة الاحتلال بناء على الطلب الأنكلو أمريكي عام 2003، من خلال عبدالمجيد الخوئي الذي قتل في النجف لاحقا، وفتوى السيستاني بناء على طلب ولي الفقيه، لتكوين الحشد الشعبي الذي ملأ البلاد بالمجازر والجرائم والإبادات والتغيير الديمغرافي ضد السنة ومدنهم ومناطقهم. أما الجرائم التي ترتكب يوميا وهتك أعراض الماجدات في سجون الصفويين ومئات الجنايات اليومية فلم ينبس السيستاني ببنت شفة، لذا كان صنع مرجعية السيستاني من قبل بريطانيا وإيران لخدمتهم فيما وصل إليه العراق اليوم، كما تجد تفصيله في كتبنا: "إيران من الداخل"، "الإمبراطورية الفارسية صعود وسقوط"، و"التشيع العربي والتشيع الفارسي" وغيرها.
يطرح أتباع إيران أن المظاهرات لا علاقة لها بالنظام السياسي الحاكم، وهذا غير صحيح لأنك ترى اجتياح المظاهرات مراكز أحزاب الإسلام السياسي والمليشيات الطائفية وبيوت بعض السياسيين والتبعية لإيران وهي ترفع شعار (إيران برة برة) وإرجاع أموال النفط والشعب مثل شعار (نفط الشعب للشعب لا للحرامية) وتنتقد الإسلام السياسي الحاكم.
هذه المظاهرات تمثل استفتاء شعبيا كبيرا من الشيعة العرب لرفض الأحزاب الشيعية الطائفية، التي تدعي الحكم باسمهم وباسم المظلومية، لاسترداد حقوق الشيعة المزعومة، كما تعطي المظاهرات بوضوح مؤشرا على عزة الشعب العراقي ورفضه الذل والهوان كما رفض السنة في مظاهراتهم السابقة التي قمعت بعنف من نوري المالكي وحزب الدعوة، لذا ينبغي أولا إقالة الفاسدين واللصوص الذين سرقوا المال العام من وزراء وإحالتهم إلى القضاء وإعادة مليارات المال المسروق من هذه القيادات التي باتت إمبراطوريات على حساب الشعب المحروم وإعادة الحق إلى أهله وعودة العراق إلى الحضن العربي. وقد عزفت الجماهير عن الانتخابات ثم خرجت في المظاهرات لتعلن طلاقها البائن للزمرة الحاكمة ظلما وعدوانا وطغيانا، وحاجتها إلى الدولة المدنية الحديثة وتلبية حقوق الشعب واحترامه وكرامته وعزته.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة