الانتخابات البرلمانية.. هل تعيد رسم خارطة التوازنات السياسية بالعراق؟

يستعد العراق لخوض انتخابات برلمانية جديدة في خضم مشهد سياسي متقلب، تشهد فيه الساحة السياسية تداخلات معقدة.
التداخلات بين الأزمات الاقتصادية والاجتماعية من جهة، والتحولات السياسية التي تشهدها البلاد من جهة أخرى، وعلى وقع تداعيات احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019 التي تفرض نفسها ولا تزال تشغل حيزًا كبيرًا من ذاكرة الشارع العراقي.
- مصادر عراقية تكشف لـ«العين الإخبارية» خطة الصدر لإحباط «الالتفاف الانتخابي»
- فصائل عراقية مستعدة لمناقشة التخلي عن السلاح لتجنب صدام مع ترامب
ورغم محاولات الحكومة لدفع العراقيين نحو المشاركة في هذه الانتخابات، فإن المخاوف من تدني الإقبال الشعبي تظل قائمة، خصوصًا في ظل قرار التيار الصدري، الذي يعد من أكبر القوى السياسية جماهيرية، بمقاطعة الانتخابات.
الانتخابات تترقب تحديات كبيرة، وفق محللين وخبراء تحدثت إليهم «العين الإخبارية»، أبرزها انخفاض نسبة المشاركة بسبب مقاطعة التيار الصدري والأوضاع الاقتصادية والخدمية، مرجحين هيمنة القوى التقليدية على المشهد، في ظل فرص محدودة للتيارات المدنية، كما حذروا من تأثير التسريبات الصوتية على زيادة التوترات الطائفية والحزبية.
وأكدوا أنها فرصة لإعادة تشكيل الخارطة السياسية في العراق، إذ يتنافس الجميع على تعزيز موقعه وسط الأزمات المتراكمة التي تعيشها البلاد.
فراغ انتخابي
وفي غياب التيار الصدري، يواجه الشارع الشيعي فراغًا انتخابيًا كبيرًا، مما يعيد بشكل غير مباشر رسم توازنات القوى داخل البرلمان المقبل.
هذا الوضع يثير تساؤلات عميقة حول شرعية التمثيل الشعبي في العراق، ومدى قدرة العملية السياسية على استعادة ثقة المواطنين.
ففي الوقت الذي تحاول فيه القوى التقليدية تثبيت مواقعها، يعاني التيار المدني والقوى الناشئة من ضعف في الحضور والتنظيم.
في هذا السياق المعقد، تبرز العديد من التحديات أمام العملية الانتخابية المقبلة، بدءًا من ضعف الثقة في العملية السياسية، وصولًا إلى القضايا المتعلقة بتدخل المال السياسي واستخدام أدوات الدولة في المنافسة الانتخابية.
ويبقى الرهان الأهم على قدرة العملية السياسية في إقناع العراقيين بأن الانتخابات يمكن أن تكون أداة حقيقية للتغيير، وليس مجرد وسيلة لإعادة تدوير ذات القوى الحاكمة.
توقعات نسبة المشاركة
وفي حديثه لـ«العين الإخبارية»، استبعد الكاتب والمحلل السياسي وأستاذ الإعلام في جامعة بغداد، علاء مصطفى، أن تشهد الانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة في أكتوبر/تشرين الأول 2025 نسبة مشاركة مرتفعة.
وقال مصطفى: «أستبعد ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات، ويمكن استنتاج ذلك من تدني نسب تحديث بطاقات الناخب، رغم الدعوات المكثفة من أطراف متعددة».
ووفق المحلل العراقي فإن استمرار التيار الصدري في مقاطعته سيكون له تأثير كبير في انخفاض نسبة المشاركة، لكنه أضاف: «مع ذلك، من الممكن أن يتراجع مقتدى الصدر عن موقفه في وقت لاحق، استنادًا إلى مسؤولية شرعية لا سياسية فقط»، في إشارة إلى أن التغيرات قد تحدث وفق الظروف السياسية المتغيرة.
الأوضاع الخدمية والاقتصادية
وتناول مصطفى في حديثه ما اعتبره «تهويلًا إعلاميًا» بشأن الإنجازات الحكومية، مشيرًا إلى أن الواقع الفعلي لا يعكس هذه الإنجازات، لا سيما في المشاريع الخدمية مثل الطريق الحلقي في بغداد (يربط جميع مداخل العاصمة الرئيسية ويحيطها بشكل دائري) ومشاكل الكهرباء والمجاري.
وأضاف: «حتى الآن، لم تُنفذ مشروعات بنية تحتية ضخمة، والمشاكل التي كانت قائمة لا تزال مستمرة».
كما أشار إلى أن تأثير المفاوضات الأمريكية – الإيرانية قد ينعكس على قطاع الطاقة، ما قد يزيد من الإحباط الشعبي في حال استمر الوضع على ما هو عليه. وفيما يخص عملية الإعمار في المحافظات.
المحلل العراقي لفت إلى أن بعض المحافظين قد أعلنوا صراحة عن عدم استلامهم حصصهم من الموازنة، فيما تبقى المشاريع الأخيرة التي تم تنفيذها في بعض المناطق تابعة لحكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي ضمن قانون الأمن الغذائي.
تحديات أمام التيارات المدنية
وبالحديث عن إمكانية بروز تيارات جديدة، قال مصطفى: «الساحة السياسية لم تفرز قوى جديدة، وبعض المجموعات التي خرجت من رحم احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول عام 2019 تم تدشينها من قبل القوى السياسية التقليدية».
الجمهور فقد الثقة بهذه التيارات، وفق مصطفى، مشيرا إلى الحراك الذي يقوده السياسي عدنان الزرفي لتشكيل قائمة مدنية، لكنه استدرك قائلاً: «لن يكون لهذا التشكيل حجم كبير، بل يسعى فقط لحفظ الحضور الرمزي للتيار المدني في البرلمان».
كيفية استعادة الثقة
وفي تعليقه على كيفية استعادة ثقة المواطنين بالعملية السياسية، شدد المحلل العراقي على أن ذلك يتطلب «شفافية، وحياد مؤسسات الدولة، والتوزيع العادل للثروات، وتنفيذ برامج واضحة للتنمية».
وأضاف: «الغياب الواضح لهذه العوامل ساهم في اتساع فجوة الثقة بين الشعب والنظام السياسي».
القوى الأوفر حظًا
وعن فرص القوى السياسية المختلفة، قال مصطفى: «إذا شارك التيار الصدري، فسيكون له الصدارة، ولكن إن لم يشارك، فإن قائمة الحكومة ستكون الأقرب لاحتلال المرتبة الأولى».
كما أشار إلى أن حزب «دولة القانون» بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي سيحافظ على نتائجه الأخيرة، في حين سيتوزع تحالف «فتح» بين قوائم متعددة مثل بدر وعصائب أهل الحق.
أما في الساحة السنية، فقد رجح مصطفى أن يحتل محمد الحلبوسي الصدارة بعد أن «أثبت القضاء براءته»، فيما سيستمر الحزب الديمقراطي الكردستاني في تفوقه على باقي القوى الكردية.
فرص التيارات المدنية
من جانبه، يرى مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، أن هناك فرصًا حقيقية للتيارات المدنية إذا تم ضمان نزاهة الانتخابات.
وقال فيصل لـ«العين الإخبارية»: «إذا تحقق الحد الأدنى من النزاهة في الانتخابات، فإن التيارات الشبابية المدنية التي تؤمن بالدولة الحديثة واقتصاد السوق ستكون أمام فرصة حقيقية لتحقيق مكاسب سياسية والمساهمة الجادة في إعادة بناء الدولة وفق المعايير الدولية».
المحلل العراقي أشار إلى أن النظام السياسي الحالي قد أخفق في معالجة القضايا الأساسية مثل الفقر والبطالة، وأنه كان مسؤولًا عن إهدار أكثر من تريليوني دولار من عائدات النفط خلال العقود الماضية.
التسريبات والتوترات الحزبية
من جهة أخرى، حذر عضو مجلس النواب رائد المالكي من أن «القانون الانتخابي الحالي بصيغته المعتمدة يعزز هيمنة الأحزاب الكبيرة ويقيد فرص الكتل الصغيرة»، داعيًا إلى ضرورة إقرار تعديلات قانونية تفتح المجال أمام منافسة حقيقية.
في الوقت ذاته، أشار المحلل السياسي كاظم جابر إلى أن التسريبات الصوتية بدأت مجددًا بين القوى السياسية العراقية، مما يزيد من التوترات الطائفية والحزبية. وأضاف جابر: «التسريبات قد تؤدي إلى زيادة الاستقطاب الطائفي، رغم أن تأثيرها على العملية الانتخابية قد يظل محدودًا».
aXA6IDMuMTQ1Ljg1LjIzIA==
جزيرة ام اند امز