"أور الملكية".. فنان عراقي يعيد تصنيع أقدم لعبة نرد في التاريخ
تاريخ ابتكار اللعبة يعود إلى عصر الأسرة الأولى في أور، قبل ٢٦٠٠ ق.م ويحتفظ المتحف البريطاني بالنسخة الأصلية منها.
في خطوة مبتكرة لإحياء التراث الحضاري العراقي وإبرازه للعالم، أنجز الفنان التشكيلي الكردي العراقي هوشمند موفق، عمله مؤخرا في صناعة نسختين من لعبة "أور الملكية" أقدم لعبة نرد في التاريخ؛ لإعادة الحياة لها مجددا، وتعريف العراقيين بهذه اللعبة التي ابتكرها أجدادهم في بلاد ما بين النهرين قبل أكثر من ٥ آلاف عام.
واكتُشفت أول لوحة للعبة "أور الملكية" المعروفة أيضا بلعبة "المربعات العشرين"، في معابد أور الملكية، خلال عمليات الحفر والتنقيب التي أشرف عليها عالم الآثار البريطاني السير تشارلز ليونارد وولي عام ١٩٢٢ في مدينة أور السومرية التاريخية جنوب العراق، ويعود تأريخ ابتكار اللعبة إلى عصر الأسرة الأولى في أور، قبل ٢٦٠٠ ق.م؛ ما يجعلها أقدم مثال عثر عليه من نوعية لعب الألواح، ومازال المتحف البريطاني يحتفظ بالنسخة الأصلية من اللعبة.
لكن ورغم أن اللعبة ابتكرها سكان وادي الرافدين وكانت اللعبة الأكثر رواجا قبل أكثر من ٥ آلاف عام، إلا أن أحفادهم العراقيين لم يعودوا يزاولونها، ولم تعد موجودة، وحل محلها ألعاب أخرى، إلى أن طلب عالم الآثار البريطاني آشلي بارلو نائب رئيس قسم الآثار في جامعة رابرين في كردستان العراق من الفنان التشكيلي هوشمند موفق العمل على إحياء لعبة "أور الملكية"، وصناعة نسخة خشبية منه لتعريف العراقيين بهذه اللعبة التي ابتكرها أجدادهم.
وقال هوشمند موفق لـ"العين الإخبارية": "أنجزت الجانب الفني من اللعبة المتمثلة بصناعتها من الخشب وكانت عملية إلى حد ما صعبة، لوجود تفاصيل عدة من حيث النقوش والقياسات التي كان يجب أن تتوفر في اللعبة كي تكون نسخة طبق الأصل من النسخة الأصلية، ومن ثَمَّ ترجمنا آلية اللعبة من اللغة الإنكليزية وقدمناها إلى قسم الآثار في جامعة رابرين"، مشيرا إلى أنه رافق العالم البريطاني بارلوا وفريقه من المتطوعين في سوق مدينة رانية لتعريف الناس باللعبة وكيفية ممارستها ومعرفة ردود أفعالهم عندما يعلمون أن أجدادهم هم الذين صنعوا هذه اللعبة، مؤكدا "ردة فعل الناس كانت جيدة جدا وتعلموا ممارسة اللعبة بسهولة".
وتابع موفق أنه صنع نسختين من اللعبة حتى الآن، ستُقدَّمان لمتحفي السليمانية والموصل، مشيرا إلى أنه بصدد صناعة نسخة ثالثة من اللعبة مستقبلا من حجر المرمر، لافتا إلى أنهم استلموا طلبات لصناعة نسخ من هذه اللعبة للبيع في الأسواق، وأضاف "لم نقرر بعد فيما إذا كنا سنصنع نسخا من اللعبة للبيع، فنحن بصدد عرض اللعبة في متحف الموصل وتنظيم ندوة عنه، ومن ثَمّ سنقرر إذا كنا سنعرض نسخا منها للبيع أم لا"، مشيرا إلى أن جهات عدة أعربت عن استعدادها لنشر اللعبة بين الناس كي تكون كاللعب الأخرى الموجودة حاليا.
ورغم أن لعبة أور الملكية مشابهة في طريقة اللعب مع لعبة طاولة النرد، إلا أن النرد المستخدم في هذه اللعبة تختلف من حيث أنها هرمية الشكل ويبلغ عددها أربعة فصوص نرد، أما خطوات تحريك القطع في اللعبة تعتمد على أسس الحرب وقوانينها، ولكل خانة من خانات اللعبة العشرين نقشا خاصا بها، ولكل طرف من اللاعبين باللعبة سبع قطع مدورة من الحجر، يجب أن يوصلها اللاعب إلى النهاية كي يفوز على منافسه.
وأشار موفق إلى أنه، وخلال الندوة التي نُظِّمَت لعرض اللعبة بحضور علماء آثار بريطانيين، تَقرَّر تغيير حجم اللعبة لتكون أكبر بقليل من حجمها الأصلي الذي يبلغ ٣٠ سينتمترا، مبينا "الهدف من تكبيرها كي تكون متعة ممارستها أجمل.
ويعد هوشمند موفق أحد الفنانين التشكيليين الشباب في إقليم كردستان الذي يعمل منذ أكثر من ١٥ عاما في مجال الفن التشكيلي، وشارك حتى الآن في أكثر من عشرة معارض مشتركة، وافتتح معرضا شخصيا واحدا.
من جهته، أوضح آشلي بارلو عالم الآثار البريطاني نائب رئيس قسم الآثار في جامعة رابرين، صاحب الفكرة، أن إعادة تصميم لعبة أور الملكية هدفها إحياء هذه اللعبة التاريخية، وأكد بارلو لـ"العين الإخبارية" أن الرغبة لممارسة لعبة أور الملكية موجودة منذ آلاف السنين منذ ابتكارها في جميع أنحاء المنطقة، ومن هنا أصبحت الفكرة تتطور أكثر فأكثر، مبينا "خطرت في مخيلتنا تساؤلات هي: ماذا لو كان لدينا شخص ما يصنع لنا واحدة منها؟ ماذا لو علمنا الناس كيفية اللعب بها؟ ماذا لو أعدنا لها الحياة؟ وبذلك أصبح هذا هدفنا".
وأردف بارلو أن "الهدف يكمن في رؤية اللعبة تنتشر في جميع أنحاء بلاد ما بين النهرين، وهي حضارة ذات تراث غني ولكن قد تم نسيانها واستبدالها بالحرب والصراع والمأساة". موضحا أنه من خلال إعادة هذه اللعبة مرة أخرى، سيكون لدى الناس فرصة لممارستها كما فعل أسلافهم، وهم يعيشون تجربة التوتر إلى اللحظة الأخيرة من السباق.
وبين بارلو أن المقاربة في التعامل مع التاريخ ليست سوى جزء واحد من خطتهم التي تدعى "نهضة رابرين"، كاشفا "هذا نهج جديد في العراق نتبعه لإشراك المجتمع بماضيه من خلال التجارب والأنشطة والتفاعل، وتظهر مسابقات لعبة أور الملكية أن الأشخاص يهتمون باللعبة، ويحاولون جاهدين لعبها، ونحن بدورنا نريد أن نوفر لهم هذه الفرصة"، مضيفا أنه وفريقه يبحثون حاليا عن فرص لتمويل هذه اللعبة لتوفير مكافآت مالية لمن يدخل في منافستها وفرصة للأشخاص الذين قد لا يكونون لديهم عادة مثل هذه الفرصة لتجربة اللعبة.
العديد من سكان مدينة رانية في كردستان العراق، مارسوا اللعبة أثناء عرضها لأول مرة في سوق المدينة، لكن كافيه عثمان كانت خامس شخص لعبت اللعبة داخل جامعة رابرين قبل عرض اللعبة على الناس خارج الجامعة، وقالت لـ"العين الإخبارية": "بالرغم من أنني خسرت أول مرة مارست فيها لعبة أور الملكية، إلا أنني شعرت بشعور جميل عند ممارستها؛ لأنني كنت خامس شخص يمارسها بعد إعادة الحياة اليها، حقيقة إنها لعبة جميلة وممتعة".
وتضم اللوحة الأصلية للعبة عشرين مربعا من الصدف، من بينها: خمسة مربعات بكل منها ورود زهرية وعيون وحلقات. أما المربعات الخمسة الأخرى فعليها تصاميم مختلفة مكونة من خمس نقاط، وتشير المخطوطات القديمة إلى أن ممارسة اللعبة تكون بتسابق لاعبين على تحريك القطع من طرف اللوحة إلى الطرف الآخر، ولا يضع اللاعب قطعه على اللوحة في بداية اللعبة إلا بعد حصوله على نتائج معينة من رمي النرد، كما تشير المخطوطات إلى أن المربعات التي عليها ورود كانت تعتبر جالبة للحظ.