عندما يقوم محللون بتقييم مستقبل التطرف في منطقة الساحل الأفريقي، فغالبا يتجاهلون احتمال اندماج الجماعتين الإرهابيتين الأخطر "القاعدة" و"داعش".
وذلك لأن فكرة اندماجهما احتمال ضعيف على المدى القصير، لكن ورغم ذلك يجب أن يظل السيناريو قائمًا على المديين المتوسط أو الطويل.
وفي حالة حدوث مثل هذا السيناريو، يمكن أن يكون لسببين:
1. لأن الأمر جاء من أعلى الهرم، أي من قيادة التنظيم المركزية.
2. أن يكون بقرار من الفروع المحلية.
في منطقة الساحل، منذ تمرّد الطوارق عام 2007 وما تلاه من احتلال الإرهابيين مناطق في شمال مالي، إبّان ما سمي "الربيع العربي" عام 2010، اعتدنا رؤية اندماج الجماعات، التي كانت تتقاتل فيما بينها.
وبعد تشكيل "داعش" عام 2014، لا نزال نلاحظ في منطقة الساحل استمرار الهجرات أو الانشقاقات، سواء من "القاعدة" إلى "داعش" أو العكس.
ولا يتعلق الأمر هنا بانشقاق عدد قليل من العناصر، ولكن في بعض الحالات كتائب بأكملها.
ففي عام 2018، انضمت مجموعة "توليبي فولاني"، التابعة لكتائب "تحرير ماسينا"، والتي تنشط في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، إلى تنظيم "داعش" الإرهابي.
حالة أخرى حدثت في يناير/كانون الثاني 2020، حيث انضم العديد من أعضاء كتيبة "غورما"، التابعة لكتائب تحرير ماسينا، التابعة بدورها لجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، الموالية للقاعدة، إلى جماعة عبد الحكيم، المنتمي لـ"داعش"، أو حالة كتيبة "غوما"، التابعة لـ"داعش"، في بوركينا فاسو، والتي تنشط على طول الطريق من نيامي إلى واجادوجو، حيث انضمت إلى "جماعة نصرة الإسلام" الموالية لـ"القاعدة"، وهي الجماعة التي قتلت الصحفيين الإسبانيين.
لقد لاحظنا تكرار هذه الظاهرة في كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا، وحتى في شمال أفريقيا، حيث انتقلت فصائل بأكملها من "القاعدة" إلى "داعش" بعد تأسيسها، كما حدث العكس أيضًا عندما تراجع تنظيم "داعش" الإرهابي بفعل الضغط الممارَس عليه في إطار عمليات مكافحة الإرهاب في مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب.
عادة ما تحدث هذه التغييرات من مجموعة إلى أخرى لمصالح شخصية أكثر منها لدوافع أيديولوجية، ما يدفعنا إلى عدم استبعاد حدوث اندماجات إذا كانت هناك دوافع اقتصادية تفرضها.
انشقاق عناصر من "كتيبة ماسينا"، التابعة لتنظيم القاعدة في مالي، أدى إلى حدوث اشتباكات في 10 يناير/كانون الثاني 2020 في ليبتاكو بمالي، بين عناصر من "كتيبة ماسينا"، الذين انضموا أخيرًا لفرع "داعش في الصحراء الكبرى" وبايعوا "أبو الوليد الصحراوي"، بسبب عدم التوصل إلى اتفاق حول توزيع الغنائم، الأمر الذي تكرر في مناطق أخرى من الساحل.
بتحليل كل هذه المعلومات السابقة وبناءً على طبيعة الجماعات بمنطقة الساحل، نقول إنه إذا حدث اندماج بين المجموعات الإرهابية المحلية، فسيكون قرارًا ذاتيًّا وليس أمرًا من قيادة التنظيمات.
وإذا تحقق هذا السيناريو، فإن المعطيات الاستراتيجية ستتغير بين الإرهابيين والجيوش التي تحاربهم.. وسيأخذ الإرهابيون زمام المبادرة أولا، وسيتعين على الدول أن تتكيف مع الواقع الجديد.
وسيتيح هذا التغيير للفروع المحلية للمتمردين الخروج من بيئتها في مناطق النشاط المعتادة لتصبح تنظيمات دولية، وهو الأمر الذي سيصعب على جيوش بلدان الساحل التكيّف معه، بالنظر إلى أنها عادة ما تواجه عراقيل وصعوبات في التنسيق مع البلدان المجاورة لها.
يجب ألّا يغيب عن الأذهان أن كلا من "القاعدة" و"داعش" انتهج حرب استنزاف ضد جيوش الساحل وحلفائها، ولا توجد خطط قصيرة المدى لقيام اندماج واسع النطاق، ولكن الحملة الدعائية الأخيرة الصادرة عن "القاعدة في غرب أفريقيا" تدعو إلى تحقيق الاتحاد وتناسي الأحقاد وتجاوز التنافس، في حين التزم "داعش" الصمت حتى الآن، ليحصر قتال "القاعدة" في حدود مالي مع بوركينا فاسو والنيجر، بينما توقف عن ذلك في أماكن أخرى، وهي ربما إشارة على وجود تفاهمات معينة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة