ترك مقتل أيمن الظواهري إرثا كبيرا من التحديات والملفات على عاتق القائد الجديد لتنظيم "القاعدة" الإرهابي.
ذلك القائد الذي لم يتم اختياره بعد، ويبدو أن التنظيم يأخذ وقته في إعادة ترتيب أوراقه والتشاور بين قيادات ما يسمى "مجلس شورى المجاهدين" داخله، وبين أمراء التنظيمات المنضوية تحت جناحه في مناطق متفرقة من العالم لاختيار المرشح الأنسب لسد خانة القيادة وتحديد الخطوط العامة للمرحلة القادمة.
فتنظيم "القاعدة" أخذ ثلاثة أشهر لاختيار أيمن الظواهري بعد مقتل أسامة بن لادن، الزعيم الأول للتنظيم، في مايو 2011، لذا لن يستعجل في إعلان قائده الجديد بالتأكيد.
ولا يمكن رسم ملامح مستقبل التنظيم دون النظر إلى ماضيه والمرشحين الرئيسيين لزعامته، فـ"القاعدة" مر بمراحل مختلفة استطاع فيها الصمود بشق الأنفس رغم الضغوط الأمنية والعسكرية والاقتصادية، التي توالت مع كل مرحلة ودخول لاعبين آخرين من تنظيمات منافسة كـ"داعش"، والتي تشاركت حصة التمويل والتجنيد في ساحة الإرهاب العالمي.
وتحمل السيرة الذاتية لتنظيم "القاعدة" في فترتها الذهبية عمليات إرهابية مُتقنة ومُحكمة ملهمة لكل التنظيمات الإرهابية، على رأسها أحداث 11 سبتمبر 2001 والهجوم على سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية في دار السلام ونيروبي عام 1998، والهجوم على المدمرة الأمريكية "يو إس إس كول" في البحر قبالة السواحل اليمنية عام 2000.
إلا أن هذا العصر الذهبي لم يدُم بعد العملية العسكرية الأمريكية في أفغانستان، والتي استهدفت "القاعدة" و"طالبان" بعد أقل من شهر من أحداث سبتمبر 2001، لتبدأ مع ذلك مرحلة أخرى واستراتيجية جديدة للتنظيم.
تشير أوراق "بن لادن" الأخيرة ومراسلاته، التي تم جمعها من مخبئه الأخير في "آبوت أباد" بباكستان، أن أول زعيم للتنظيم فقد تواصله المباشر مع القادة الميدانيين في السنوات الأولى، التي تبعت التدخل الأمريكي في أفغانستان، وكانت استراتيجية التكيف مع الملاحقات الأمنية والاستهداف المباشر للتنظيم عبر تعزيز مكانة الأفرع الإقليمية على حساب التنظيم المركزي.
هذه الحقبة نتج عنها تنظيم مركزي أقل كفاءة وسيطرة، وتنظيمات فرعية أكثر قوة وتتمتع بصلاحيات أوسع، هذا ما ورثه الظواهري من "بن لادن"، والزعيمان أفل نجماهما مع سطوع إرهابيين جدد أخطر من الموجودين في التنظيم المركزي، منهم أنور العولقي والزرقاوي ومختار بلمختار والجولاني.
وبذلك صار المديرون المتوسطون هم مركز القوة في "القاعدة"، أما الزعيم الأيديولوجي كـ"بن لادن" و"الظواهري" فقد قلّت أهميته واكتُفي بدوره الرمزي والتحفيزي، وهذه الظاهرة تجلّت في العديد من التنظيمات الإرهابية في السنوات الماضية، وتعد مسألة يجب مراعاتها في أثناء رسم خطط مكافحة الإرهاب، وهي مفتاح تساؤلنا عن القائد الجديد والسياسة الجديدة لتنظيم "القاعدة" الإرهابي.
الأسماء المتداولة والمطروحة لقيادة التنظيم عديدة، في فترة تعتبر مفصلية وحرجة في تاريخ التنظيم.. وبعض الأسماء ذات ارتباط بالهيكل التنظيمي المركزي كـ"سيف العدل" الموجود في إيران، أو عبد الرحمن المغربي، وبعضها الآخر مرتبط بأفرع "القاعدة" الإقليمية كـ"أبي عبيدة العنابي"، زعيم "القاعدة في المغرب الإسلامي"، أو عمر ديري، أمير حركة الشباب الصومالية النشطة حاليا، أو ربما قائد آخر من كادر التنظيم المركزي في أفغانستان.
إنْ غيّرت القيادة المركزية لتنظيم "القاعدة" الإرهابي موقعها الجغرافي من أفغانستان إلى القارة الأفريقية، فإننا سنشهد نسخة واستراتيجية جديدة للتنظيم تركز على توسع محدود واستغلال الفراغ السياسي والهشاشة الأمنية، في منظر يتمحور حول العدو القريب دون العدو البعيد، وإذا ما استمرت القيادة المركزية في أفغانستان ضمن بقايا الدائرة المغلقة، فإن التحديات التي ستواجه الزعيم الجديد للتنظيم ستكون أكثر إلحاحًا، بدءا من إثبات الذات أيديولوجيا وميدانيا، واستمرار الهرب والتخفي من أعين أجهزة مكافحة الإرهاب، التي تراكمت خبراتها وتطورت أدواتها وأثبتت قدرتها على استهداف كل من سبقوه من زعماء "القاعدة".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة