أين تذهب أموال "داعش" مع تواصل خسائره في العراق وسوريا؟
تنظيم داعش الإرهابي ما زال يجني الملايين رغم خسارته للكثير من الأراضي في العراق وسوريا حسب صحيفة فايننشال تايمز
حذرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية من أن تنظيم "داعش" الإرهابي ما زال يجني الملايين رغم خسارته للكثير من الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا.
في تقرير نشرته الصحيفة البريطانية لمراسلتها إريكا سلمان بعنوان "داعش وجد طريقا لتهريب مكاسب الحرب"، قالت إن تنظيم داعش خسر الكثير من الأراضي التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، إلا أنه ما زال قادراً على جني كميات هائلة من الأموال من بيع النفط وفرض عملته الخاصة.
وأشارت إلى أن مدينة أنطاكية التركية أصبحت قناة للأموال غير المشروعة، فبينما يركز الاهتمام الدولي على الخسائر الإقليمية للإرهابيين لصالح التحالف الدولي المدعوم من الولايات المتحدة بدأ "داعش" يشن حملة أخرى، سرية لجني المال قدر الإمكان، بأسرع ما يمكن، وإخراج هذه الأموال.
مازحا قال أحد تجار السوق السوداء السابقين في معقل "داعش": إنهم "يقسمون العقارات العائلية، وسوف ينشرون هذا المال في كل مكان، للاستمرار في تشغيله لصالح التنظيم لفترة طويلة بعد انتهاء الخلافة".
وأوضحت الصحيفة أن تحرك التنظيم لتحويل أمواله يمثل مصدر قلق رئيسي للحكومات الغربية، حيث يتحول القتال ضد داعش من ساحات القتال السورية والعراقية إلى العواصم الأوروبية. وبينما تنتشر أمواله إلى أماكن أبعد؛ لا سيما في أوروبا، يعتقدون أن داعش سيحاول استخدام تلك الأموال لشن مزيد من الهجمات.
ويتوقع محللون أن داعش سيضطر قريبا إلى العودة إلى التمرد غير محدد المعالم الذي كانت عليه مرة واحدة، وبعد مقابلات مع أشخاص داخل الأراضي الخاضعة لسيطرة التنظيم أو هربوا منها مؤخرا من المناطق التي تسيطر عليها داعش تقول إنه لا يزال يبذل جهودا جبارة لإنتاج النفط وفرض عملته الخاصة، في محاولة للحصول على أكبر قدر ممكن من الدولارات ومن ثم إخراجها من المنطقة عبر شبكة سرية للتحويلات المالية والاستثمارات التجارية.
وفي السياق قال ريناد منصور، المحلل في "تشاتام هاوس" وهي مؤسسة بحثية بريطانية، الذي يدرس هذه المسألة: "الآن أصبحوا يخسرون الأراضي، فقد أصبح ذلك أولوية لهم، إنهم بحاجة إلى الحفاظ على النفوذ المالي والسلطة".
وفي شرق سوريا الغنية بالنفط، يرى التجار القوافل اليومية من "الحيتان"، وهو اللقب الذي يطلقونه على الشاحنات الضخمة التي تنقل ما يصل إلى 220 برميل من نفط داعش الخام، وأحيانا 60 مركبة في وقت واحد، عبر الصحراء نحو الأجزاء التي تسيطر عليها الحكومة في سوريا. وعلى الرغم من الضربات الجوية المستمرة للائتلاف التي قلصت الإنتاج يقولون إن داعش حافظت على استمرار التجارة".
"النفط لم يتوقف.. الناس بحاجة إلى النفط، داعش بحاجة إلى البيع، والأعمال التجارية تستمر في التحرك"، كما يقول مالك إحدى مصافي النفط المؤقتة التي تقع في محافظة دير الزور الشرقية، حيث استولى "داعش" على الآبار في عام 2014، والآن من المتوقع أن تكون دير الزور المكان الذي سيقود منه آخر قواعده.
وسجل محللون في مؤسسة "آي إتش إس ماركيت" هذا العام انخفاضا بنسبة 88% في إيرادات "داعش" الشهرية مقارنة بإيرادات يناير/كانون الثاني 2015، في حين يقول المركز الدولي لدراسة التطرف ومقره لندن، إن "داعش" خسر في الوقت الراهن 90% من آبارها، وكلاهما قدر انخفاض عائدات النفط إلى النصف هذا العام.
غير أن المقابلات التي أجريت مع أكثر من 12 من عمال النفط والتجار السوريين تشير إلى أن "داعش" لا يزال قادرا على جني مليون دولار يوميا، وذلك بفضل قدرته على تحميل عبء التكاليف -والمخاطر- للمشترين المتلهفين، حيث يقولون إن داعش حافظت على التسعير الأصلي ما بين 20- 45 دولار للبرميل، اعتمادا على الجودة.
وفي السياق، أشار تاجر فر إلى تركيا، إلى زيارة قام بها مؤخرا لبئر نفطي بعد دقائق من غارة جوية شنها التحالف، حيث طالب بخصم من مسؤول "داعش" الذي يتلقى المدفوعات حيث اختلطت الأوساخ بالخام، "لكنه أجاب، فلنكسب النفط على الأرض. نحن لن نبيع بسعر أقل، ولا حتى بدولار واحد"، مضيفا: "داعش يبيع دائما، حتى لو كان التحالف يضرب والمبيعات متوقفة لم يتغير السعر".
وذكرت الصحيفة أن "داعش" يستخدم نظام "الحوالة" لتحويل الأموال في المنطقة ولشراء المستلزمات الضرورية مثل الحديد والأسمدة وقطع الكمبيوتر، وكذلك لنقل الأموال إلى مناطق أكثر أمنا خارج الأراضي التي يسيطر عليها حالياً.
كما استثمر "داعش" أموال عائدات النفط واشترى مكاتب لتصريف العملات وفنادق ومؤسسات لإنتاج الأدوية ومستشفيات خاصة في العراق، وفق الصحيفة التي اطلعت على تقرير لمجلس الأمن الدولي، جاء فيه أن شركات تابعة لـ"داعش" ربما تحاول استغلال تمويل عمليات إعادة الإعمار في العراق وسوريا.
ولفتت إلى أن "داعش" يسيطر على أكثر حقلين إنتاجا للنفط في سوريا، وهما: "العمر" و"التنك"، حيث ينتجان نحو 25 ألف برميل يوميا بحسب التجار والعاملين فيهما، كما بدأ التنظيم الإرهابي بفرض عملته على السكان بشرق سوريا بصرامة أكبر.
ووفقا للصحيفة، سبق للسكان أن تجاهلوا النقود الداعشية الذهبية والفضية النحاسية، ولم يروها إلا نادرا، لكن الوضع تغير قبل 6 أشهر عندما بدأ "داعش" بفرض تداولها، ويرى رجال أعمال محليون أن "داعش" قد باع أكثر من 100 ألف دينار، ما سمح له بالحصول على عائدات بمئات آلاف الدولارات.
ويقول صرافون في تلك المناطق إنهم ملزمون ببيع الليرات السورية والدولارات لمكاتب "داعش" الاقتصادية أسبوعيا مقابل الدنانير الداعشية، التي يزيد سعرها عن سعر الذهب المستخدم لسكها. ولا يُسمح لأحد بشراء الدولارات إلا التجار المكلفين بشراء التموين من خارج رقعة سيطرة"داعش" وللتجار الذين يشترون النفط الداعشي.