خبير أمني يقول في حديث لبوابة "العين" إن عدد المشتبه بهم في أوروبا يفوق قدرة الأجهزة على مراقبتهم.
قاد شخص سيعرفه العالم بعد ساعات، المكنى داعشياً باسم "أبو يوسف البلجيكي"، سيارته، مساء الخميس، في شوارع العاصمة الفرنسية باريس، قاصداً جادة الشانزليزيه الشهيرة. وكان لديه الوقت الكافي ليوقف سيارته، ويحمل سلاحه، ويطلق زخات منه باتجاه حافلة للشرطة ويهرب مخلفاً قتيلاً ومصابين اثنين.
وأفاد فرانسوا مولان، المدعي العام الفرنسي، أن منفذ الهجوم هو كريم الشرفي، فرنسي المولد ويبلغ من العمر 39 عاماً، وهو معروف لدى الأجهزة الأمنية، كما أنه له سجل إجرامي في حوادث عنف.
- مهاجم الشانزليزيه فرنسي يدعى كريم الشرفي عمره 39 سنة
- صور وفيديو.. "هجوم الشانزليزيه بباريس" مقتل ضابط وتصفية المنفذ
أواخر مارس/آذار الماضي، قاد شخص آخر، سنعرفه أيضاً بعد ساعات باسم خالد مسعود، سيارة باتجاه عدد من المارة على رصيف جسر ويستمنستر قرب مقر البرلمان بوسط لندن، مما أدى إلى مقتل شخصين وإصابة آخرين، قبل أن تصطدم سيارته بالسور الخارجي لمقر البرلمان. يعبر المهاجم وهو يحمل سكين، البوابة الخارجية لباحة البرلمان ويطعن شرطياً قبل أن تطلق عليه الشرطة النار وترتديه قتيلاً.
وبحسب المعلومات الرسمية خضع مسعود لاستجواب الأجهزة الأمنية البريطانية، للاشتباه بصلاته بالتطرف، كما تحدثت مصادر في الحكومة الأمريكية عن وجود صلة للإرهابي مسعود بعدد من المتطرفين في البلاد.
وتوجد قائمة طويلة لمشتبه بهم أوقفتهم السلطات الأمنية عبر أوروبا وأطلقت سراحهم قبل أن تفاجأ في وقت لاحق بضلوعهم في الهجمات الإرهابية، ما يثير شكوكاً حول ما إذا كان هؤلاء ذئاب منفردة أم ضباع طليقة.
وشاع مصطلح الذئب الوحيد أو الذئب المنفرد، منذ عام 1990، بحسب ما أورده الباحث السوري محمود البازي في دراسة له بعنوان "الذئاب المنفردة ملاذ داعش الأخير"، حين دعا العنصريان الأمريكيان ألكس كيرتس وتوم متزغر الخلايا الفردية والصغيرة إلى العمل اعتماداً على عناصر تعمل منفردة دون انخراط تنظيمي للقضاء على غير البيض بكل الوسائل المتاحة، لكن مصطلح الذئاب المنفردة سيخصص حصرياً بعد عقدين من الزمان للحديث عن طرائق عمل التنظيمات الإرهابية الإسلامية في الغرب.
وتبدو أزمة الذئاب المنفردة متعلقة بطبيعة عملها الفردية، إذ ينفذ أحدها عادة عملية واحدة ثم يختفي ولا يكون له أي سجل أمني أو تعرف له سابقاً تصرفات أو آراء "متطرفة"، بحسب مراقبين.
وبالنظر لما كشفت عنه التحقيقات اللاحقة لتنفيذ هجمات إرهابية، ثمة شكوك حول ما إذا كان الغرب يعاني من أزمة عميقة في كفاءة سلطاته الأمنية وأجهزته لجمع المعلومات.
لكن العقيد خالد عكاشة، الخبير الأمني المصري، يقول لـ"العين" إنه "من غير الممكن الإجابة عن ذلك السؤال بالنفي أو الإيجاب.. توقيف مشتبه به ثم قيامه في وقت لاحق بعملية إرهابية لا يعني فشلاً أمنياً ولا نجاحاً.. من يعمل في هذا المجال يدرك أن هذا من تفاصيل العمل الأمني".
ويضيف عكاشة أن أي جهاز أمني في أي مكان في العالم لديه قائمة طويلة جداً من المشتبه بهم. مجرد شكوك تحوم حول شخص، إما أن تنجح السلطات في إيجاد أدلة مادية تسمح بإحالته للقضاء أو يظل مجرد مشتبه به، ربما يمكن أن تضع عدداً محدوداً منهم على قائمة الأكثر خطورة وتتبعهم لكن يستحيل على جهاز أمني أن يخضع كل من يشتبه به لعمليات مراقبة".
وبرزت معضلة الذئاب المنفردة منذ مايو/آيار 2016، حينما أطلق أبو محمد العدناني، الناطق باسم تنظيم داعش الإرهابي دعوته أتباع التنظيم للقيام بعمليات فردية ضد الدول التي تشارك في الحملات ضد دولة الخلافة المزعومة.
وتحت وطأة الهجمات المتلاحقة، أعلنت فرنسا حالة الطوارئ بعد اعتداءات 13 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015، في باريس، ووافق مجلس الشيوخ الفرنسي أواخر العام الماضي بأغلبية كبيرة على مشروع قرار ينص على تمديد حالة الطوارئ حتى 15 يوليو/تموز 2017، وسط انتقادات بشأن اندفاع بلد الحريات باتجاه خيانة قيمها.
وعلى ما يبدو جاء توقت الضربة الجديدة متعمداً، إذ يسبق بثلاثة أيام الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية في فرنسا، ليرفع، وفق مراقبين، من أسهم اليمين المتطرف في صناديق الاقتراع، ويزيد من نفوذه على خريطة العالم.
قد استغلت الأحزاب اليمينية الفرنسية المتطرفة الهجمات الإرهابية التي شهدتها البلاد منذ هجوم باريس الدامي في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 (130 قتيلاً)، مروراً بهجوم الدهس في نيس (84 قتيلاً)، وصولاً إلى الاعتداء الأخير، من أجل الترويج لسياسيات أكثر تشدداً.
ووضع الترويج للسياسيات اليمينية، مرشحة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة مارين لوبان، في المرتبة الثانية بين 5 مرشحين للرئاسة، أبرزهم مرشح تيار الوسط إيمانويل ماكرون، الأوفر حظاً، ومرشح التيار المحافظ فرانسوا فيون الذي حل ثالثاً، بحسب استطلاعات الرأي.