"هدم الجدران".. استراتيجية داعش "العابرة للقارات" في السجون
حمل الهجوم المستمر لداعش الإرهابي، على سجن غويران، شمالي سوريا، مخاوف من اتباع التنظيم استراتيجية خطيرة، أطلق عليها "هدم الجدران".
فهجوم تنظيم داعش، الذي بدأ قبل أيام على سجن خاضع لسيطرة القوات الكردية شمال شرقي سوريا، سلط الضوء على هشاشة السجون المكتظة، التي يصعب تأمينها، في حين تعد مرتعًا للإرهابيين، فيما بات التحالف الدولي الذي حاربهم من مخلفات الماضي.
فرار جماعي وتمرد مستمر
وفي التطور الجديد، شن أكثر من 100 من مسلحي التنظيم مساء الخميس هجوماً على سجن غويران، في محافظة الحسكة، ونجح التمرد في إطلاق سراح عدد غير معروف من الإرهابيين، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فيما تحدثت وسائل إعلام التنظيم الإرهابي عن فرار 800 عنصر.
ومثل هذا التهديد معروف منذ زمن طويل. فقد عملت قوات سوريا الديمقراطية التي تضم بشكل خاص مقاتلين أكرادًا "على نحو جيد" في السنوات الأخيرة من أجل تأمين هذه السجون، كما قال سلمان شيخ، مؤسس "مجموعة شيخ" المتخصصة في حل النزاعات في الشرق الأوسط.
وأضاف سلمان شيخ في تصريح لوكالة "فرانس برس"، مستدركا: "لكنهم حذروا منذ فترة من أنهم لا يستطيعون الاستمرار في ذلك لفترة طويلة"، في إشارة إلى قوات سوريا الديمقراطية، التي تحرس السجن الذي يضم آلاف العناصر من داعش.
وحتى مساء الأحد، قُتل 45 عنصرا من قوات سوريا الديمقراطية والقوات الكردية وحراس السجن في هذا الهجوم، الذي أعقبته معارك، وكان ما زال مستمرا اليوم الإثنين وفق المرصد السوري.
كولن كلارك مدير البحث في مركز "صوفان" في نيويورك، يعلق على التطورات الجديدة قائلا: "تحتاج قوات سوريا الديمقراطية إلى استراتيجية للتعامل مع هذا التهديد. حتى الآن، كانت الاستراتيجية (التي اتبعها الغرب) تقوم على التهرب من مواجهة الأمر".
تفريخ الإرهاب
وفيما لم تتضح بعد الملابسات الدقيقة لما حدث. هل كان نتيجة عمل تم تنسيقه على مستوى قيادة تنظيم داعش، أم نتيجة مبادرة من الخلية المحلية له، قال جيروم دريفون المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، إن التنظيم "ليس في الوضع نفسه الذي كان عليه عندما كان يسيطر على منطقة واسعة ويتخذ قراراته بطريقة هرمية".
موضحا أن العملية نُفِّذت "إما لإرسال إشارة على عودة التنظيم. أو قد تكون ذات بعد محلي ونفذتها خلية تريد إطلاق سراح عناصر من هذا السجن بالتحديد".
ويمكن لهذا الحادث أن يتكرر؛ خصوصا وأن المحللين والمسؤولين العسكريين والسلطات المدنية، على اتفاق منذ سقوط التنظيم على الاعتراف بأن هذه السجون ليست إلا أرضًا خصبة لتفريخ الإرهابيين، نظرًا لأنها تؤوي عناصر محليين ومقاتلين أجانب.
فمن خلال احتجازهم معًا، يتواصلون فيما بينهم ويخططون للتحرك بمجرد مغادرتهم السجن وتدريب الأجيال الشابة على القتال ويستعدون لمعارك قادمة.
استراتيجية عابرة للقارات
حيال ذلك يقول كولن كلارك، مشيرًا إلى خطاب ألقاه زعيم تنظيم داعش في 2012 أبو بكر البغدادي: "سيعود تنظيم داعش إلى هذا التكتيك، ببساطة لأنه ناجح. سيعملون من جديد على هدم الجدران".
وقد قال البغدادي ذلك قبل أن يسيطر التنظيم تدريجيًا على مساحات شاسعة من العراق وسوريا والتي استمرت خمس سنوات (2014-2019).
هذه القراءة تحققت من خلال الهجمات والاعتداءات التي نفذها التنظيم حول العالم، وفق ما رصدته شركة "جهاد أناليتكس Jihad Analytics" المتخصصة في تحليل الأنشطة المتطرفة على الأرض وفي الفضاء الإلكتروني.
ويكشف مؤسس الشركة داميان فيريه في حديث لـ"فرانس برس"، أنه "منذ عام 2013، نفذت الجماعة 22 هجوماً على سجون في العراق وأفغانستان والفيليبين وجمهورية الكونغو الديمقراطية وليبيا والنيجر وطاجيكستان ومن ثم في سوريا".
وأضاف أن على الرغم من تكتم التنظيم الإرهابي، نسبيًا، في الأشهر الأخيرة، "تُظهر هذه العملية أنه ما زالت لديه القدرة على تنفيذ هجمات كبيرة وأن إطلاق سراح عشرات السجناء - بما في ذلك بعض القياديين - سيسمح له بتعزيز صفوفه".
في تصريحاتهم الرسمية، يقر الأمريكيون والأوروبيون والعرب بأن القتال ضد تنظيم داعش، وسائر التنظيمات الإرهابية بشكل عام، لم ينته بعد، كما يتضح من نشاط العديد من فروعه وفروع تنظيم القاعدة المنافس له.
لكن هذه التصريحات لا تخفي انعدام أي عمل ملموس على الأرض؛ إذ عبر سلمان شيخ عن أسفه في هذا الصدد على "عدم وضوح الأمريكيين والمجتمع الدولي" في ما يتعلق بأهدافهم.
شيخ يرى أن الهجوم على سجن غويران في الحسكة "يعكس هشاشة المنطقة"، وأن التعاون الدولي والإقليمي والمحلي يجب أن يعطى الأولوية "لدعم جهود الإصلاح المبذولة في شمال شرق سوريا".
وشدد على أن المكونات المختلفة التي تسيطر على المنطقة المتمتعة بحكم شبه ذاتي في شمال شرق سوريا "تحتاج إلى اعتراف دولي بها وإلى مساعدات مالية".
aXA6IDE4LjE5MS4xNjUuMTQ5IA== جزيرة ام اند امز