الماشية والأغنام.. بديل "النفط" لتمويل داعش في سوريا
بعدما كانت تتدفق الأموال على تنظيم داعش من بيع النفط المسروق من المناطق التي كانت خاضعة لسيطرته، بات يواجه بعض الأزمات في التمويل بعد هزيمته في سوريا في مارس/آذار 2019.
وعلى مدار عامين، اتجه التنظيم إلى مصادر تمويل أخرى كان أبرزها قتل الرعاة وسرقة الماشية، حيث اعتبرها بمثابة سلاح ذي حدين أولهما الإمداد والثاني الفوضى التي تثيرها عمليات القتل حيث يستغلها التنظيم للتخفي بين النازحين.
وذكرت صحيفة "مترو" البريطانية أن التنظيم المتطرف ينخرط في عملية تهريب "سهلة ومربحة"، في حين يبحث عن مصادر تمويل أخرى غير النفط الذي مول من خلاله خلافته المزعومة.
وطبقًا للصحيفة البريطانية، تقوم خلايا التنظيم في حماة والمناطق المتاخمة للرقة وحلب بشن عمليات واسعة النطاق في السوق السوداء بعد خسارة داعش سيطرته على الأراضي عام 2019.
ويبيع المقاتلون المتخفون في هيئة رعاة الأغنام المسروقة من السكان المحليين بسوق الماشية، إما في المناطق الشمالية التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، والمدعومة من الولايات المتحدة، جنوبا في المناطق السورية الواقعة تحت سيطرة النظام، وإما عبر الحدود في العراق.
وأبلغ عن سرقة مئات من الحيوانات أسبوعيا بداية عام 2021، مع تعرّض المزارعين للقتل في غارات أو جراء الألغام المزروعة على الطرق وبمناطق الرعي، هذا فيما تستخدم بعض الماشية لإعالة المقاتلين.
وقال جريجوري ووترز، الباحث بمشروع مكافحة التطرف، لصحيفة "مترو": "إنها ليست كتجارة النفط التي كانت لدى داعش عندما كان يسيطر على الأراضي، لكن ليست لديهم النفقات الموجودة من قبل. كل ما يحتاجونه الآن هو إمدادات لخلاياهم وللدفع للمهربين".
وأضاف ووترز: "إنها عملية سهلة ومربحة. كما أنها تخدم غرضا ثانيا يتمثل في أنه من خلال قتل الرعاة وسرقة الأغنام يصبح هناك مزيد من النازحين داخليا، مما يعني مزيدًا من مسارات التهريب والمعابر غير الرسمية".
وأوضح أن "هذا يسهل على عناصر داعش التسلل إلى المناطق حيث يتمكنون من الاختباء بين الغرباء الذين يتنقلون من مكان لآخر".
وطبقًا لتقرير أعده ووترز لـ"مشروع مكافحة التطرف"، وهو مركز أبحاث مقره نيويورك، تم العثور على رعاة تم إعدامهم بإطلاق النار على رؤوسهم في "عدة" مناسبات هذا العام.
وبعد ذلك، تهرب الماشية إلى الأسواق، بما في ذلك تلك الموجودة عبر الحدود في العراق حيث يمكن الحصول على سعر أفضل، وجنوبًا إلى معاقل الحكومة الرئيسية في سوريا.
وطبقًا لباحث متواجد بالمدينة تحدث مع ووترز، نقل ما يصل إلى 23 ألفا من الأغنام إلى الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، ومن بينها الرقة، خلال الشهور الأولى من 2021.
وبما أن سعر كل رأس ماشية يبلغ 7500 ليرة سورية، يعني هذا أن داعش قد يجمع الملايين بالعملة المحلية وحدها من خلال هذه العملية غير المشروعة.
وبالرغم من أن سعر الصرف يعني أن هذا يساوي فقط آلاف الجنيهات الإسترلينية، فإنه يقدم نموذجا للتمويل الذاتي مع تعافي التنظيم.
وقال ووتررز إن "الخلايا تمول نفسها وتنخرط في التجارة مع السكان المحليين، وتستخدم الأموال في دفع رواتب المسلحين والمهربين وشراء البضائع وإلى حد ما الأسلحة، بالرغم من أن لديهم مخزونا كبيرا بالفعل".
وأضاف أنهم انتقلوا من "دولتهم المزيفة" حيث كانوا يجنون ملايين الدولارات من تجارة النفط شهريا، "ومتأكد أنه ما زالت هناك تبرعات خارجية لكن غالبية التمويل الآن إقليميا أو محليا".
وأشار ووترز، في تقرير للمركز، إلى أن عدم الاستقرار بالمنطقة عامل أساسي في عودة ظهور داعش، حيث يغذي الاقتصاد المتهاوي تجارة السوق السوداء.
من جانبه، رسم مازن غريبة، المدير التنفيذي لـ"المجلس البريطاني- السوري"، صورة مشابهة للفراغ الإنساني والأمني الذي يوفر أرضًا خصبة للخلايا في ريف دير الزور.
وقال غريبة إن الخلايا تعتمد على تهريب الماشية وغيرها من المنتجات الزراعية لتمويل عملياتهم، موضحًا أن هناك عدة عوامل تلعب دورًا في عودة ظهور التنظيم على نطاق صغير في ريف دير الزور، وتتضمن تدهورا حادا في الوضع الإنساني، والفراغ الأمني الناتج عن غياب القوى المحلية التعويضية في الريف، والتوترات المتراكمة بين بعض القبائل العربية وقوات سوريا الديمقراطية.
وفي وقت سابق من العام الجاري، نشر الموقع الإلكتروني لوكالة "صوت أمريكا" تقريرا يتحدث عن أن داعش على ما يبدو يدر مبالغ كبيرة من الإيرادات التي كان لها دور فعال في تمويل تمرده بجميع أنحاء سوريا والعراق، وذلك بعد حوالي عامين من خسارة آخر قطعة من الأراضي في شرق سوريا.
وقال مسؤولون عسكريون وخبراء إن تنامي النشاط الإرهابي للتنظيم في العراق وسوريا خلال الشهور الأخيرة حدث إلى حد كبير بسبب قدرته على جني الأموال من الشبكات الإجرامية.
وأشار التقرير إلى أنه خلال غارة على مسلحي داعش في دير الزور، اكتشفت قوات سوريا الديمقراطية مخبأ يحتوي على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمال.
وقال مسؤول بقوات سوريا الديمقراطية وقتها: "في كل مرة نشن عملية ضد إرهابيي داعش، نجد كثيرا من الأسلحة والأموال".
وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم تسميته لأنه غير مخول بمناقشة المسألة: "من الواضح أن لديهم الكثير من الأموال لتمويل إرهابهم في المنطقة".
وطبقًا لتقديرات سابقة لوزارة الخزانة الأمريكية، لدى داعش ما يقدر بنحو 100 مليون دولار من الاحتياطيات النقدية.
ويعتقد الخبراء أن جزءًا كبيرًا من هذه الأموال ربما كانت خلال الوقت الذي كانوا يحكمون فيه مساحات شاسعة من الأراضي في العراق وسوريا، لا سيما عندما قدم التنظيم عملته الخاصة.
وقالت وزارة الخزانة الأمريكية في وقت سابق من العام الجاري إن أنصار داعش كانوا يعتمدون بشكل متزايد على العملات المشفرة لتمويل عملياتهم.
وخلال تقريرها ربع السنوي الصادر في فبراير/شباط الماضي، أفاد مكتب المفتش العام بوزارة الدفاع الأمريكية بأن داعش استخدم الخدمات المالية، من بينها الخدمات البديلة لتحويل الأموال المعروفة باسم الحوالات لنقل الأموال من وإلى العراق وسوريا، معتمدين في كثير من الأحيان على المراكز اللوجستية في تركيا والمراكز المالية الأخرى.
لكن السفارة التركية في واشنطن قالت حينها لـ"صوت أمريكا" إن أنقرة "تتخذ جميع الخطوات اللازمة لمكافحة تمويل هذه المنظمات (الإرهابية)، وتجري تحقيقات ضد الأشخاص المعنيين وتبدأ الإجراءات القضائية".
وأشار "صوت أمريكا" إلى أن مسلحي داعش لجأوا إلى أسلوب احتجاز الرهائن طلباً للفدية كوسيلة أخرى لتمويل تمردهم.
وأوضح الخبراء، بحسب "صوت أمريكا"، أنه من أجل القضاء على الشبكات المالية لداعش يجب أن يتعامل التحالف العالمي ضد داعش وشركائه المحليين في سوريا والعراق كما لو كان "منظمة مافيا".
aXA6IDE4LjIyNC41Mi4xMDgg جزيرة ام اند امز