تحديات وحرب عصابات.. هل تعافى "داعش"؟
هجمات شبه أسبوعية يشنها "داعش" بمناطق مختلفة من العراق تشي بأن التنظيم تمكن من إعادة ترتيب صفوفه وإن بشكل جزئي.
هزم التنظيم عسكريا في العراق قبل نحو أربعة أعوام، واعتقد خبراء أن الفلول المتبقية منه ستنتهي تحت وطأة عمليات القوات العراقية والتحالف الدولي بقيادة واشنطن.
لكن إحداثيات الواقع على الأرض فندت معظم التوقعات، مؤكدة أنه عقب 4 سنوات من إعلان بغداد "النصر" على التنظيم الإرهابي في 9 ديسمبر/كانون الأول 2017، تتصاعد حدة الهجمات وسط البلاد وشمالها، بل تبلغ أحيانا قلب العاصمة بغداد.
"لهيبان" تدق جرس الخطر
في حادثة شكلت منعطفا حاسما في العراق، سيطر "داعش" قبل أيام على قرية "لهيبان" بقضاء الدبس في محافظة كركوك (شمال)، ومع أن الأمر لم يستمر لأكثر من ساعات، إلا أنه بعث برسائل تحذيرية من خطر استغلال التنظيم المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، لإعادة انتشاره من جديد في البلاد.
جرس خطر دقه "داعش" بسيطرته على القرية في حدث يعتبر الأول من نوعه منذ دحره في 2017، وتلقفت بغداد الرسالة سريعا حيث أشرف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي -بعد يومين منها- على أوسع عملية أمنية ضد التنظيم شمالي البلاد.
ومع أن قوات النخبة بوزارة الداخلية العراقية وقوات البيشمركة (قوات إقليم كردستان)، تمكنت في ساعة مبكرة من فجر الإثنين من استعادة السيطرة على القرية، إلا أن الرسائل الناضحة من الحيز الفاصل بين الحدثين مقلق للغاية، خصوصا أن التنظيم نفذ قبل ذلك 3 هجمات على قوات البيشمركة على مدار الأسبوع الماضي، ما أسفر عن عشرات القتلى والمصابين.
وقبلها، استهدف التنظيم صلاح الدين وكركوك وديالى والموصل وأطراف العاصمة بغداد بهجمات متكررة استهدفت مدنيين وقوات أمن، ما خلف عشرات الضحايا.
"عودة" لداعش في العراق كما يعتبرها البعض تحمل في طياتها استفهامات عديدة في مقدمتها: كيف "تعافى" التنظيم بعد 4 سنوات من هزيمته عسكريا؟
حرب عصابات
خلافا لسنوات سيطرته على أجزاء واسعة من العراق انطلاقا من 2014، يرى خبراء في الجماعات المسلحة أن داعش اتجه نحو التأقلم مع المتغيرات عبر اعتماد تكتيك حرب العصابات، في خطوة تعرف بأنها من أكثر ما يرهق الجيوش النظامية.
فالتنظيم اقتنص على ما يبدو حالة "الاطمئنان" السارية عقب دحره عسكريا، وعمل على الاحتفاظ بقدرات خلاياه النائمة بالمناطق الوعرة وعلى الحدود مع سوريا، وهو ما مكنه من التخلص من الارتباك الذي رافق هزيمته ومن أثره السلبي على معنويات مسلحيه، فكان أن تحول إلى حالة منظمة وبدأ يشن حرب عصابات لا مركزية.
حرب غالبا ما تمنح موازين القوى للطرف الأضعف وليس الأقوى، لأنها لا تعتمد على القوة العسكرية أو اللوجستية، وإنما تستثمر الموقع وتضاريسه والمعرفة بتفاصيل المكان الذي غالبا ما لا يكون ملائما لتحرك الجيوش، فالمعروف أن حرب العصابات تتطلب نمطا ومقاربة مختلفتين عن حرب المدن.
طرح يمكن أن يفسره عدم قدرة بغداد على القضاء نهائيا على التنظيم، رغم عشرات الحملات الأمنية والعسكرية التي شنتها ضد بقاياه بالسنوات الماضية، ورغم الإسناد والدعم الذي قدمته قوات التحالف الدولي، ما يعني أن العراق لا يزال بحاجة للعمل أكثر على هذا الجانب لتحقيق نصر نهائي.
استراتيجية شاملة
محللون يرون أيضا أن حصول داعش على مساحات يؤكد وجود ثغرات من نوع معين في التعامل العسكري مع التنظيم، مع ما يفرضه ذلك من ضرورة تغيير تكتيك التعامل معه والتركيز على الاعتماد على القوة الاستخبارية واستخدام وسائل خاصة بدل القوات العسكرية التقليدية.
كما تحتاج بغداد لوضع استراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب، تتجاوز سياسة الاعتماد القوة العسكرية، لأنه حين يتعلق بالأرض، فإن القوة بمعناها العسكري ليست وحدها من يحدد موازين القوى، خصوصا أن الأمر يشمل مواجهة تنظيم لا يعرف حتى الآن حجم قوة خلاياه.
وغالبا ما تحتاج الاستراتيجية الشاملة مقاربات ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية لاجتثاث الفكر المتطرف، لأن من يغذي داعش بالمسلحين هم عراقيون بنسبة كبيرة في الوقت الحالي، وفق دراسات أظهرت أن داعش فكر قبل أن يكون تنظيما، ما يستدعي القضاء على الفكر المتطرف وعدم الاكتفاء بالنصر العسكري فقط.
خلافات سياسية
يتغذى الإرهاب من الفوضى، ويتمدد اعتمادا على الثغرات التي يتيحها التوتر، ولذلك فإن "تعافي" داعش لا يعتبر أمرا لافتا بالنظر إلى أن الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تسببت بظهوره في 2014 لا تزال موجودة في العراق.
مشهد سياسي واجتماعي واقتصادي يستنسخ نفسه على مدار السنوات التي تلت دحر التنظيم في العراق، ما يفتح المجال واسعا أمامه لإعادة ترتيب صفوفه والضرب بقوة، وهذا ما يفسر تواتر الهجمات كلما حصلت تطورات أو أزمة سياسية تنشغل بها مؤسسات الدولة، تماما كما يحدث حاليا في وقت ينشغل فيه فرقاء العراق بحسابات التحالفات وتشكيل الحكومة المقبلة، وسط تجاذبات وانقسامات لا تنتهي، علاوة على الأذرع الإيرانية التي تنخر جسد بلاد الرافدين، وتقدمه لقمة سائغة للإرهاب.
ففي سياق مماثل، لن يجد داعش صعوبة في تحديد أهدافه أو استهدافه، بل يستثمر الخلافات لإعلان تواجده، كما يعمل على استغلال الهشاشة الأمنية بالمناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، سواء لتحقيق أهدافه بمحاولة خلق أكبر قدر من الصدى الإعلامي، أو عبر اللعب على الوتر السياسي من خلال استهداف مناطق تشكل أحد أبرز الملفات العالقة بين الحكومة المركزية والإقليم.
aXA6IDE4LjIyNi4yMTQuOTEg جزيرة ام اند امز