«داعش» يطل برأسه.. «العين الإخبارية» تنقب في أسباب ودلالات هجمات الدم
مع تصاعد الصراعات المسلحة على أكثر من جبهة، وانعدام الاستقرار الأمني والسياسي في بلدان عدة، وجد تنظيم «داعش» الإرهابي من تلك الظروف، بيئة لإعادة غرس نبتته الشيطانية من جديد.
نبتة رواها التنظيم الإرهابي بدماء الأبرياء، وأسكنها منازل البلدان غير المستقرة، ودعمها بشباب انتقاهم، ليكونوا نواة لعودته المحتملة، حالمًا بموطئ قدم جديد يعيد إليه ما وصف بـ«عصره الذهبي».
تلك الظروف استغلها «داعش»، فبات يشن هجمات إرهابية هنا وهناك، محاولا اختراق هذه الحالة الصراعية؛ لفتح ثغرات لتمدده وحضوره، ما يمنحه قدرة على تشكيل تحالفات جديدة، وطرح اسمه مجددا كطرف له حيثية في ساحة التنافس العالمي والإقليمي»، بحسب مراقبين.
فما دلالات تكثيف داعش من هجماته؟
يقول خبراء تحدثت «العين الإخبارية» إليهم، إن تصاعد هجمات «داعش» في الفترة الأخيرة، يعني أن التنظيم الإرهابي، بات جاهزا لاختراق حالة الحروب التي باتت سمة المنطقة الآن، داعين إلى ضرورة تعزيز التعاون الأمني الدولي، وتبادل المعلومات بين الدول المعنية، والعمل على تقويض البنيان الفكري والمنهجي للتنظيم الإرهابي وإثبات زيفه، للحد من انتشار الفكر المتطرف.
وإلى ذلك، قال مدير المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب الذي يتخذ من ألمانيا مقرًا، الدكتور جاسم محمد، في حديث لـ«العين الإخبارية» إن تنظيم داعش يسعى لاستغلال انشغال المجتمع الدولي بحرب غزة لإعادة ترتيب أوراقه وصفوفه لشن عمليات إرهابية خصوصاً في دول مثل سوريا والعراق.
وقدر تقرير أصدره مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ومقره القاهرة، أمس السبت، عدد العمليات الإرهابية التي نفذها تنظيم داعش خلال يومي 3 و4 يناير/كانون الثاني الجاري بأكثر من 33 عملية إرهابية، في 9 دول، في نسبة وصفها بـ«الأكبر» من نوعها خلال 24 ساعة منذ عام 2022.
آخر تلك الهجمات، ما أعلنته هيئة الحشد الشعبي العراقية، مساء السبت، مؤكدة مقتل عنصرين من قواتها، في هجوم تبناه تنظيم «داعش» في شرق محافظة صلاح الدين الواقعة شمال بغداد،
وضع قال عنه الخبير الأمني، إن «داعش»، يحاول استثمار التوترات في المنطقة، وعدم الاستقرار والأزمات السياسية في بعض دول المنطقة مثل العراق، من أجل الظهور من جديد، وخاصة مع تراجع دور التحالف الدولي في مكافحة الإرهاب.
ملاذات آمنة
وأشار الباحث في الأمن الدولي والإرهاب، إلى أن الحدود العراقية السورية تبقى منطقة تحرك للتنظيم، معتبرًا البادية السورية، ملاذًا آمنًا للتنظيم لتنفيذ عمليات إرهابية، ما يجعل من مخيمات الهول ومخيمات أخرى في شمال شرق سوريا، مصدر تهديد للأمن الإقليمي والدولي.
الأمر نفسه، أشار إليه الخبير في شؤون حركات الإسلام السياسي، هشام النجار، والذي قال في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن التوترات وعدم الاستقرار الأمني، وتعدد الصراعات المسلحة في أكثر من ساحة، وتغيير المعادلات المستقرة منذ فترة على وقع نشوب حروب كثيرة، تعد فرصا كبيرة لـ«داعش».
وحذر من أن التنظيم الإرهابي بات جاهز لاختراق هذه الحالة الصراعية والفوضوية؛ لإيجاد موطئ قدم له، ولفتح ثغرات لتمدده وحضوره، ما يمنحه قدرة على تشكيل تحالفات جديدة، وطرح اسمه مجددا كطرف له حيثية في ساحة التنافس العالمي والإقليمي، كما فعل مؤخرا في تنفيذه تفجيري مقبرة الشهداء بكرمان الإيرانية.
وكان تنظيم «داعش» تبنى الأسبوع الماضي، تفجيرين انتحاريين وقعا في مدينة كرمان بجنوب إيران قرب مرقد القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني، مما أوقع 91 قتيلا على الأقل، وعشرات الجرحى.
«تفجيرات، تمنح للتنظيم حضورا في الحرب الدائرة كمناوئ لإيران التي تعد مركز الدعم الرئيسي للأذرع التي تستهدف إسرائيل»، بحسب هشام النجار، الذي أكد أن «داعش» بات «مستعدًا بجيل من المقاتلين وبمخزون من الانتحاريين».
وأشار إلى أن التنظيم موجود فعليا، فلم يتم إلحاق هزيمة كاملة به، شأنه «شأن كل التنظيمات المتطرفة التكفيرية التي يصعب استئصالها بمجرد ضربات عسكرية، وإجراءات واحترازات أمنية».
لكن أين يتمركز «داعش» حاليا؟
يقول الباحث المغربي في قضايا التطرف والإرهاب محمد عبد الوهاب رفيقي، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن داعش يتوزع عبر خلايا نائمة متفرقة بعدد من الدول، وينتظر الفرصة للعودة من جديد.
وحول إمكانية عودة «داعش» في نقاط ارتكازه السابقة، قال الباحث المغربي: «لا أعتقد أن التنظيم بإمكانه العودة من خلال الدول التي كانت نقطة ارتكاز له في السابق مثل سوريا والعراق، بحكم الهزائم الثقيلة التي تكبدها في هذه المنطقة».
وأشار إلى أن نشاط التنظيم انتقل إلى مناطق أخرى خصوصا ليبيا، مع استغلال الوضع السياسي الهش الذي تعيشه، إضافة إلى منطقة الساحل الأفريقي التي تعتبر اليوم هي المنطقة الاستراتيجية له بحكم الفراغ الذي تعيشه هذه المنطقة، والصراعات السياسية التي يستغلها من أجل تنظيم صفوفه، والإعداد لعملياته.
وأكد أن تلك «المناطق اليوم هي التي تتحكم في استمرار المد الداعشي سواء من حيث الأفكار أو حتى من حيث التخطيط للعمليات في مختلف مناطق العالم بعد الحصار الذي واجهه التنظيم في مختلف الدول سواء في الشرق الأوسط أو في أوروبا».
ولا يعتقد الباحث المغربي أن ما يجرى بداية جديدة لاتساع نطاق العمليات الإرهابية خلال المرحلة المقبلة، قائلا: «هناك حصار أمني واستخباراتي كبير على التنظيم، ما يعني أن مجال تحركاته أصبح ضيقًا جدا؛ لذا سيكتفي التنظيم ببعض العمليات البسيطة هنا وهناك».
وفي مقال تحليلي نشره مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية للباحث أحمد كامل البحيري، الخبير بالوحدة الأمنية في المركز، قال إن التنظيم تمكن خلال الأشهر الثلاثة الماضية من إعادة السيطرة على بعض مناطق البادية وإعادة نشاطه في مناطق الجزيرة وغرب وشرق نهر الفرات.
إلا أن هانز جاكوب شندلر، المدير الأول في مشروع مكافحة التطرف -مركز أبحاث عبر الأطلسي- قال إن الجماعات الأخرى التابعة لداعش قد تضع خططا لشن هجمات في الغرب.
وأضاف أن تنظيم داعش يسيطر الآن على مساحة من الأراضي في غرب أفريقيا تعادل تقريبا ما كان عليه في ذروته في سوريا والعراق قبل نحو عشر سنوات، متابعًا: «مركز الثقل الآن هو أفريقيا، عاجلا أم آجلا سيكون هناك بعض التداعيات المروعة حقا».
ما المطلوب لتحييد «داعش»؟
يقول مدير المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والذي يتخذ من ألمانيا مقرًا، الدكتور جاسم محمد، إن المطلوب من دول المنطقة خاصة العراق وسوريا جذب انتباه العالم من خلال عقد المؤتمرات والمنتديات، ومشاركة الأطراف الدولية والأممية لوضح حد لملف مخيمات داعش في شمال شرق سوريا.
وبالتوازي مع تعزيز الجهود الدولية، دعا الخبير الأمني، إلى أن تضطلع دول المنطقة بمسؤوليتها في محاربة التطرف ومكافحة الإرهاب، والكشف عن استراتيجياتها التي يجب أن تتضمن معالجات حقيقية لأسباب التطرف؛ أبرزها التنمية المستدامة والقضاء على البطالة وتفكيك الخطاب المتطرف إلى جانب الجهد الأمني والعسكري.
واستعرض الخبير في شؤون حركات الإسلام السياسي، هشام النجار، عوامل استئصال التنظيم، قائلا: يجب تقويض بنيانه الفكري والمنهجي وإثبات زيفه، وإزالة الأسباب والعوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي ساعدت في تشكيله.
بدوره، قال الباحث المغربي في قضايا التطرف والإرهاب محمد عبد الوهاب رفيقي، إن السبيل الأمثل لمواجهة خطر «داعش» هو «تعزيز التعاون الأمني الدولي، وتبادل المعلومات بين الدول المعنية، وأيضا بالعمل الدائم والمستمر على المستوى الفكري والذي نجح في السنوات الأخيرة من الحد من انتشار هذا الفكر ومن تأثيره على الشباب في المنطقة».
aXA6IDMuMTUuMjAzLjI0MiA=
جزيرة ام اند امز