تلقى فرع "داعش" الإرهابي في الساحل الأفريقي ضغوطاً كبيرة منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي في محافظة أنسونغو (مالي)، قرب الحدود مع النيجر.
تمّت محاصرة التنظيم من قبل عناصر تابعة للقاعدة: من الشمال جماعة أنصار الدين، ومن الغرب إمارة تمبكتو، من الجنوب من قبل أنصار الإسلام في بوركينا فاسو. وبالإضافة إلى الجماعات الإرهابية، هناك ملاحقة مستمرة من طرف جيوش مالي وبوركينا فاسو، مما أجبر "داعش" على الانسحاب التكتيكي.
واعتباراً من أبريل/ نيسان الماضي، تغيّر الوضع، وبعد الضربات الجوية التي شنّها جيش بوركينا فاسو في منطقة الشمال، حيث تتمركز جماعة أنصار الإسلام التابعة لتنظيم القاعدة، تُركت هذه المنطقة غير مأهولة، وهو ما شجّع "داعش" على احتلالها والتوسّع لمسافة 50 كيلومتراً غرباً داخل بوركينا فاسو، ما تسبب في اندلاع معارك مع جماعة نصرة الإسلام الموالية للقاعدة التي حاولت استعادة المنطقة دون جدوى.
ودائماً في شهر أبريل/ نيسان الماضي، تقدّم "داعش" شمالاً على بعد حوالي 60 كلم داخل مالي إلى الأراضي التي تحتلها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الإرهابية، التي كات تحافظ على معسكر في المنطقة بالضبط في مدينة تيدرميني، التابعة لمحافظة ميناكا. هذه المدينة هي أيضاً موطن لقاعدة عسكرية للجيش المالي وقاعدة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة، مما يجعلها محاطة بتنظيم "داعش" الإرهابي.
داخل النيجر، هاجم "داعش" أيضاً في أبريل/ نيسان من أجل التوسّع. وبحسب ما أوردته الجماعة الإرهابية في وسائل إعلامها، فإن الهجوم في منطقة تيديرميني في ميناكا كان يهدف إلى الإضرار بوجود "القاعدة" في المنطقة وطرد عناصرها منها.
هناك تفسيران لاهتمام "داعش" بالتقدم شمالاً. فمن ناحية، يريد أن يكون في وضع جيد خلال موسم الأمطار بين مايو/ أيار وأكتوبر/ تشرين الأول، مع العلم أنه خلال هذا الموسم يكون من الصعب محاربة التنظيم. إن أخطر جزء في تقدّم "داعش" هو أنه في حين أن "القاعدة" لا تهتم كثيراً بالجزائر وموريتانيا في الوقت الحالي، فإن "داعش" إذا تمكنت من تجاوز جبهة "القاعدة" في شمال مالي، لن تتردد في التوسع نحو الشمال الغربي الإفريقي وفي هذه الحالة ستخصص كل مواردها لاحتلال هذه المنطقة لأنها ستكون حيوية وإستراتيجية بالنسبة للجماعة الإرهابية.
وبعد تقدّم "داعش" في أبريل/ نيسان الماضي، أظهر التنظيم الإرهابي عزمه على التحرك نحو تنزاواتين، على الحدود مع الجزائر، والتي كانت ملاذاً لزعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، إياد أغ غالي.
في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قُتِل النيجيري مالام موسى، القائد العسكري لعمليات "داعش"، لكن بعد تعيين القائد الجديد الذي خلفه، موسى موميني، أظهر التنظيم أنهم تعافى بل وزاد قدراته الهجومية.
يوم 9 مايو/ أيار الماضي، تقدم "داعش" نحو تامسنا، ما سمح له بالتمركز بالقرب من الحدود بين مالي والجزائر. وبعد أيام، في 14 من نفس الشهر، هاجم "داعش" منجم الذهب التقليدي تين أيكاران جنوب شرق انتهاكا في غاو التي كانت تحت سيطرة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وتقدّم ما يقرب من 90 كيلومتراً من منطقة سيطرتها السابقة شمال أنسونغو.
وفي 18 مايو/ أيار، أعيد تأكيد استراتيجية "داعش" في مالي، حيث أظهر صوراً لتوزيع المنشورات مطلع أبريل/ نيسان على سكان تيدرمين، وهي المدينة التي كانت تخضع لسيطرة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين والتي سقطت دون قتال.
وتلقى فرع "داعش" هجوماً عنيفاً من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة للقاعدة في 16 مايو/ أيار الماضي، لكن في الناحية الجنوبية من مناطق سيطرته داخل بوركينا فاسو في تانكوغونادي. تكرر الهجوم مجدداً في 21 مايو/ أيار الماضي.
قد تكون هذه الهجمة مؤشراً على أن الجماعات التابعة للقاعدة في مالي لا ترى نفسها قوية بما يكفي لمحاربة "داعش" من الشمال، لذلك تلجأ لضرب خاصرته الجنوبية.
وفي الوقت نفسه، ومع تقدّم "داعش"، شرع في فرض ضرائب على السكان في المناطق الخاضعة لسيطرته، وهو يتحكم في الطرق والأسواق والاقتصاد. يُلاحظ استخدام هذه الإستراتيجية في شمال نيجيريا وجنوب شرق النيجر ووسط مالي وشمال بوركينا فاسو، حيث ثبّت "داعش" وجوده في تلك المناطق.
وبين 22 و28 مايو/ أيار الماضي، نفّذ جيش النيجر وبدعم من نيجيريا العملية العسكرية "هاربين زوما" ضد فرع "داعش" في غرب إفريقيا. استهدفت العملية جنوب شرق النيجر في منطقة بحيرة تشاد وإلى حد ما إلى الشمال على الحدود مع تشاد. قُتل 55 إرهابياً ولم يحاول الباقون الفرار بالعبور إلى تشاد، وهو ما قد يكون مؤشراً على أن "داعش" لا ينوي التوسع في شرق النيجر ولا إلى تشاد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة