مع توقع دخول السويد حلف الناتو الذي شهد موجات توسع عدة مع مرور الوقت، ووصل إلى 30 دولة في أوروبا وأمريكا الشمالية فإن مهامّ كبرى ستتشكل في المهام الجديدة للحلف بالنطاقات الإقليمية والدولية، وهو ما يبرز بصورة جلية في الوقت الراهن.
ويستند الحلف بالأساس إلى مبدأ التضامن المتبادل بين جميع أعضائه المحدد في المادة الخامسة من ميثاقه، التي تنص على أن يتفق الطرفان على أن أي هجوم مسلح ضد طرف واحد أو أكثر يحدث في أوروبا أو أمريكا الشمالية سيعد هجوماً موجهاً ضد جميع الأطراف.
والواضح من متابعة التطورات داخل الناتو وخارجه أن إدارة الرئيس جو بايدن باتت لا تربط بين انضمام السويد إلى التحالف العسكري الغربي وحصول تركيا على المقاتلات الأمريكية المتقدمة، ومع ذلك، ربط الرئيس الأمريكي جو بايدن ضمناً بين المسألتين بعد تواصله مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وذلك لتهنئته على انتخابه لولاية رئاسية ثالثة، وهذا يعني انضمام السويد والمضي في صفقة "إف-16" على نطاق أوسع.
وكان الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ قال إنه لا توجد ضمانات لانضمام السويد قريباً، مع التحفظ على أنه من الممكن التوصل إلى حل، وتمكين اتخاذ قرار بشأن العضوية الكاملة للسويد، خاصة مع التوقع باستعداد الرئيس أردوغان لتخفيف اعتراضاته على عضوية السويد، التي يتهمها بدعم الجماعات التي تصنّفها تركيا إرهابية.
وعلى عكس الحالتين- أوكرانيا وجورجيا - اللتين وُعدتا منذ سنوات بالانضمام إلى حلف الناتو، فإن فنلندا والسويد لم تسعيا للانضمام إلى الحلف، وهما عضوان في الاتحاد الأوروبي، ولديهما برامج تعاون عسكري مشتركة مع حلف الناتو.
ومع ذلك، فإن مثل هذا الانضمام سيحدث تطورات هيكلية في نمط وتوجه العلاقات بين الدول الغربية، والولايات المتحدة من جانب، وروسيا من جانب آخر.
في كل الأحوال، فإن توسيع الناتو يتضمن تحديات ومخاطر حقيقية في الغرب، على اعتبار أنه كان يتم استثمار الحلف، وتمدده على أنه يعزز الأمن والاستقرار أما الآن، فيُنظر إليه على أنه مدخل استراتيجي لردع توجهات روسيا، وجعله أكثر واقعية في نظرته لروسيا وعلاقتها بمحيطها الغربي.
ومع موقف روسيا المعلن أن الخطوة السويدية بإنهاء حيادها ستكون خطأ جسيماً، وأن العالم سيتغير جذرياً. يخاف العالم الذي يعيش تداعيات حرب لم تهدأ بعد في أوكرانيا، من انزلاق التوتر بين موسكو والغرب إلى مستويات غير محسوبة، بما في ذلك احتمالات اللجوء إلى السلاح النووي.
معلوم أنه خلال الفترة الانتقالية الممتدة بين طلب الترشح لحالة السويد والانضمام يبدي الحلف استعداده لتعزيز الضمانات الأمنية للبلدين، لا سيما من خلال ترسيخ وجود الناتو فيهما.
وأكد الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، استعداد التكتل العسكري لتعزيز الضمانات الأمنية للسويد قبل انضمامها من خلال ترسيخ وجود الناتو فيها.
والواقع أن الناتو الجديد سيرتبط بتغيير مواقف الدول المعنية وحيادها، منها سويسرا، التي رسخت مبدأ الحياد في دستورها، وبالتالي بقيت خارج الاتحاد الأوروبي.
كذلك تأتي النمسا، التي أعلنت نفسها محايدة عسكرياً أيضاً، وتبقى قبرص على حيادها، على الرغم من تطور علاقاتها مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، أما إيرلندا فقد أعادت الحرب في أوكرانيا فتح النقاش حول حيادها، مع فرضها عقوبات على روسيا.
وكان الناتو بدأ بنشر عناصر من قوة الرد التابعة له بهدف تعزيز قدراته الدفاعية، والاستعداد للرد سريعاً على أي تطور بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، لتجنب أي توسع إلى أراضي الحلف.
وتضم القوة 40 ألف جندي ومحورها قوة العمليات المشتركة (قوة المهام المشتركة عالية الاستعداد التابعة لحلف الناتو) المكونة من 8000 مقاتل بقيادة فرنسا حالياً، وتضم لواء متعدد الجنسيات وكتائب مدعومة بوحدات جوية وبحرية وقوات خاصة.
ويشار إلى أن المادة العاشرة من معاهدة حلف الناتو تسمح لأي دولة أوروبية بالمساهمة في تعزيز أمن منطقة الأطلسي، بما يمهد الطريق أمام انضمامها فيما يُطلق عليه سياسة الباب المفتوح.
ومن مقاربة أخرى يعد ما قاله هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق لا يتفق والواقع الراهن بقوله إن اقتراح ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو كان خطأ فادحاً؛ ذلك أن هذا الاقتراح، جعل روسيا تشعر بأن أمنها بات في خطر حقيقي، لأن تمدد الحلف إلى حدودها الشرقية، يعني أنها باتت في مواجهة قوس من الحلف المعادي، يمتد من بحر البلطيق شمالاً إلى البحر المتوسط جنوباً، بما يشكله ذلك من حصار أمني واقتصادي وسياسي لها.
ولهذا تعتمد العقيدة الاستراتيجية لحلف الناتو على أنه ما دامت الأسلحة النووية موجودة سيظل الناتو تحالفاً نووياً وقد قررت دول الناتو على رأسها الولايات المتحدة تسريع نشر القنابل التكتيكية النووية المطورة في أوروبا، وتسليمها إلى قواعد الناتو في أوروبا.
وقد عزز حلف الناتو من قدراته الجوية للمراقبة على سواحل البحر الأسود المقابلة لروسيا، حيث نشرت القوات الفرنسية نظام دفاع متوسط المدى في رومانيا، وتتولى القوات الإيطالية الإشراف عليه.
وهذا النظام مخصص للمراقبة وتزويد القيادة الرئيسية للحلف بكل الملاحظات والتطورات، بالإضافة إلى أنه مصمم لمواجهة صواريخ كروز ويمكن التعامل مع تهديدات متعددة من خلال قدراته على الإطلاق المتعدد.
كما تعد إدارة الأزمات إحدى المهام الأساسية لحلف الناتو، حيث يستخدم مزيجاً مناسباً من الأدوات السياسية والعسكرية لإدارة الأزمات في بيئة أمنية متزايدة التعقيد تحدد سياسة حلف الناتو في مجال مكافحة الإرهاب والمجالات الدفاعية للأسلحة النووية مع الالتزام بتوفير القدرات العسكرية اللازمة، وتمكين المرونة الوطنية للدول الأعضاء، وتعزيز قدرة الناتو على الصمود ضد التهديدات الإرهابية.
وقد أصبح متوقعاً أن يكثف الحلف من تعزيز الجاهزية المشتركة بشكل جماعي وتسريع وتيرة الاستجابة والقابلية للانتشار والتكامل، وتعزيز وتحديث هيكل قوة الناتو.
وفي السياق الاستراتيجي، يسعى حلف الناتو أيضاً إلى توسيع نفوذه في آسيا ليتحول الحلف بذلك إلى هيئة دولية بدل طبيعته الأوروبية بشكل أساسي، ولم يستبعد أن تصبح اليابان في المستقبل البعيد عضواً رسمياً في الناتو، بهدف استهداف الصين ومحاولة منع نفوذها مع التطلع لمواجهة بعض مجالات التوتر في المحيطين الهادئ والهندي.
إن المواجهة الروسية في أوكرانيا جعلت حلف الناتو يوسع دائرة الانضمام إليه في أوروبا فيما تضاعف الاهتمام من أعضاء الحلف بتمويل توسيع الانضمام، وسيستمر حلف الناتو في إنجاز مهام أساسية منها الردع، والدفاع، ومنع الأزمات وإدارتها والأمن، مع التأكيد على أن روسيا ستبقى أهم وأكبر تهديد مباشر لأمن الحلفاء والسلام والاستقرار في أوروبا، حيث تسعى إلى إقامة مناطق نفوذ وسيطرة مباشرة.
وسيتخذ حلف الناتو جميع الخطوات اللازمة لضمان مصداقية مهمة الردع النووي وفاعليتها وأمنها، وإعادة التأكيد على الدور الفريد، والمتميز للردع النووي.
في المجمل فإن حلف الناتو يتعاون مع الدول التي تريد الانضمام للناتو من أجل التحول عن المراحل السابقة لكي تتناسب مع المنظومة الجديدة التي يعمل عليها، كما أن الحلف يسعى حالياً من أجل توافق، وتناسق جيوش تلك الدول مع قوات الناتو.
مرحلة جديدة تتشكل في إطار الناتو الجديد لمواجهة ومحاصرة المد الروسي وتحسباً لأي محاولات روسية للقفز على نتائج ومسار ما يجري مع أوكرانيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة