ربما يتوقع الإنسان الطبيعي أن يكون إعلام جماعة الإخوان بكل صنوفه، من تقليدي وإلكتروني وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، والموجه ضد نظام الحكم في بلدهم من الخارج، معادياً لأقصى درجة يمكن تصورها لهذا النظام.
إلا أنه يحتفظ ببعض الولاء ولو القليل منه لبلد القائمين عليه، أي مصر.
والحقيقة أن الحديث عن الوطنية والانتماء هو أمر غير مستحب لكاتب هذه السطور، وليس من بين مفردات قاموسه الخاص سواء الكتابي أو الشفهي.
ومع هذا، فإن الملاحظة الدقيقة لهذا الإعلام الإخواني بخصوص الذكرى 56 لهزيمة 5 يونيو/حزيران 1967 لمصر وسوريا والأردن على يد الدولة العبرية، لا يجد المرء أمامه من سبيل سوى إعادة النظر فيما استقر عليه قاموسه لزمن طويل.
فما بثه وأذاعه إعلام الجماعة في هذه الذكرى الأليمة لكل عربي، وبالقطع كل مصري وسوري وأردني، يصعب تصديق أنه يصدر عن أشخاص ينتمون لهذه الأمة العربية ولهذا الشعب المصري.
فالشماتة والنكاية المفرطتان في مرضيتهما مسيطرتان من حيث الشكل والمضمون على كل جوارح القائمين على ذلك الإعلام.
ويفرط هؤلاء في عرض ما سبق للشعوب العربية أن شاهدته آلاف المرات منذ تلك الهزيمة القاسية، من مشاهد تلفزيونية وصور فوتوغرافية وعناوين صحف وصفحات كتب وبرقيات وكالات أنباء، كلها تشمت وتتشفى في كل مصري وعربي، شعر بعمق وألم تلك الهزيمة سواء عاشها أو لم يعشها.
وتلحظ من فرط الحماسة لهزيمتنا القاسية وعبارات وصفها من القائمين على إعلام الإخوان وطريقة إلقائهم شديدة الشماتة، حالة السعادة التي يعيشونها والتشفي في المفترض أنه وطنهم الأم مصر ووطنهم الأكبر الأمة العربية.
وينتهز هؤلاء القائمون على إعلام الإخوان هذه الفرصة، ليس فقط للتشفي في شعبهم وأمتهم، بل يذهبون إلى حيث ينالون من كل جيوشها وقادتها، سواء ممن عاصروا ذلك الحدث أو ممن هم موجودون اليوم.
ومن فرط استغراقهم وتشبعهم بحالة التشفي والنكاية في أوطانهم وجيوشها وقادتها، ينسى، أو يتناسى، القائمون على إعلام الإخوان حقائق نفس التاريخ الذي يعايرون شعبهم وأمتهم به، فلا يذكرون شيئاً عما جرى بعد هزيمة يونيو/حزيران القاسية، في بلدهم المفترض مصر من رفض شعبي ورسمي عارم وحاسم للهزيمة، ثم حرب استنزاف باسلة لست سنوات، ومعها مصالحة عربية كاملة ودعم غير محدود من كل الأشقاء العرب في قمة الخرطوم في أغسطس/آب 1967، وبعدها حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 المجيدة بالتشارك مع سوريا الشقيقة ومساندة تامة من كل دول الوطن العربي الشقيقة حينذاك.
وبمناسبة هذه الحرب المجيدة، فإن إعلام الإخوان وإمعاناً واستمراراً في سياسة النكاية والتشفي في الأوطان، لا يكاد في أي ذكرى لها في السنوات السابقة، يتطرق إليها أو يتحدث عنها بما يجب أن يكون، احتفاءً بما حققته وتقديراً للشعوب والقادة والأبطال الذين خاضوها وانتصروا فيها، فهو إعلام لا يعرف أبداً الفخر بالأوطان بل هو يتشفى فيها ويشمت بها.
ولا يستطيع المشاهد أو المتصفح لهذه البرامج إلا أن يخرج بانطباع عميق يقترب تماماً من الصحة: إما أننا إزاء كائنات عدمية غير منتمية لأي إطار وطني أو قومي ولا يحد أقوالها أو أفعالها أو مشاعرها، أي دوافع من تلك التي تربط الناس الطبيعيين العاديين بهذه الأطر من انتماءات وولاءات.
وإما أننا إزاء كائنات تجتاحها وتهيمن على مشاعرها وأقوالها وأفعالها، هواجس وعلل نفسية شديدة التعقيد والحدة، تدفع بهم بعيداً للغاية عن البشر الطبيعيين الذين لديهم قدر من التوازن النفسي سواء في حبهم أو كرههم.
أو أننا إزاء كائنات بشرية، اختارت عمداً ولأسباب معظمها معلوم وبعضها مجهول، أن تلقي بكل انتماء طبيعي ومنطقي لوطن أو أمة في سلة المهملات، وهنا لا يوجد لوصفهم سوى ما يسعى الكاتب طوال عمره لتجنبه من صفات ونعوت مكانها الطبيعي هو قاموس الوطنية والانتماء والولاء وكل ما يخالفها من صفات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة