الديمقراطية الإسرائيلية لا يمكن أن نوجد لها وصفاً مناسباً أكثر دقة من "ديمقراطية اللصوص" أو "ديمقراطية علي بابا"
يكاد العالم الغربي يجمع على أن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأنها الدولة الوحيدة التي تطبق المعايير العالمية للحكم الديمقراطي، هذه الحجة توظفها الحكومات المتتالية لإسرائيل في استدرار التعاطف الغربي والعالمي، وفي استمداد المعونات والاستثمارات، وفي تسويق صورتها عالميا، وحشد التأييد الذي يحميها في كل جرائمها ضد الشعب الفلسطيني المحتل؛ والذي تمارس معه أبشع أنواع الاضطهاد، والتفرقة العنصرية التي لم تعرفها جنوب أفريقيا النموذج التاريخي للتفرقة العنصرية المقيتة.
بدون وجود القانون تصبح الديمقراطية إسرائيلية يستخدمها من يملك السلاح لتجريد من لا يملكه من كل حقوقه الإنسانية، وتهجيره من أرضه، وفرض جدار يعزله عن أرضه وأخيه وأخته وعن مدرسته، وإخضاعه للتفتيش المهين في كل جيئة وذهاب
الديمقراطية الإسرائيلية لا يمكن أن نوجد لها وصفاً مناسباً أكثر دقة من "ديمقراطية اللصوص"، أو "ديمقراطية علي بابا"؛ ذلك أن إسرائيل تمارس الديمقراطية لسرقة الأرض والتاريخ من شعوب وأمم أخرى، وأنها تمارس الديمقراطية لتجريد الإنسان الفلسطيني المضطهد من أبسط حقوق الإنسان، وتمارس الديمقراطية لترسيخ نظم وقوانين وسياسات عنصرية تنحاز لليهودي المهاجر من روسيا أو أوكرانيا ضد المسيحي الذي شهد أجداده عذابات السيد المسيح عليه السلام.
ديمقراطية إسرائيل تقدم أبشع نموذج للحكم الديمقراطي، ولو كان الفيلسوف الإغريقي أفلاطون حياً لكان أسعد الناس، لأنه كان يرى أن الديمقراطية هي أسوأ أنظمة الحكم، لأنها وسيلة للغوغاء والمجرمين للاستيلاء على مقدرات الأمم، هكذا هي ديمقراطية إسرائيل وسيلة لعصابات مهاجرة من كل بقاع الأرض، عصابات من المسعورين للاستيلاء والاستحواذ، عصابات من شذاذ الآفاق جاءوا للاستيلاء على أرض شعب يسكن هذه الأرض، ولتهجير هذا الشعب، وتعذيبه، وتفريغ كل عقد التاريخ في هذا الشعب. لقد تحول الشعب الفلسطيني إلى وسيلة لأن تقوم هذه العصابات بتفريغ كل عقدها من فرعون مصر، ونبوخذ نصر البابلي في العراق، وهتلر الأوروبي.. كل هذه العقد التاريخية تم تفريغها في الإنسان الفلسطيني لثلاثة أجيال دون أن تشفى هذه العصابات المريضة المعقدة من التشفي، وكل ذلك يتم تحت شعار ديمقراطي، وبوسيلة ديمقراطية.
أي دارس للعلوم السياسية والقانون الدولي ماذا يقول عندما يرى أن الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) أصدر في 1981/12/15 ما أسماه "قانون الجولان" بعد تصويت ديمقراطي على ضم مرتفعات الجولان السورية المحتلة عام 1967 إلى السيادة الإسرائيلية، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الأمس القريب صوت الكنيست ذاته بطريقة ديمقراطية أيضا، على ضم القدس الفلسطينية المحتلة لتكون عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل، وبعد ذلك صوت حزب الليكود الحاكم على إعدام المتهمين الفلسطينيين بقانون لا يطبق على اليهود. واليوم يحشد حزب الليكود أصوات الناخبين الإسرائيليين من خلال وعود بضم غور الأردن وشمال البحر الميت لدولة إسرائيل، عملية ديمقراطية تحدد معايير الفائز فيها سرقة الأراضي.
كان حكيم "أثينا" القديم "داريوس" يقول: "إن الديمقراطية هي مبدأ الاتفاقات بين الخبثاء، والمؤامرات من أجل تدمير الشأن العام". هذا الكلام الخطير تثبت إسرائيل بعد أكثر من ألفي عام أنه صحيح، فما تقوم به المؤسسات الديمقراطية في إسرائيل لا تخرج عن قول الحكيم داريوس في أي شيء، فهي مبدأ الاتفاقات بين زعماء عصابات جاءت من بلاد بعيدة تحت شعارات تاريخية غير حقيقية، ولا يقبلها عقل، وبالديمقراطية هدموا دولة فلسطين، وشردوا نصف شعبها، وأخضعوا النصف الآخر لتعذيب واضطهاد مستمر تحت سمع وبصر العالم لثلاثة أرباع القرن.
وهنا يسأل الباحث نفسه: لماذا استطاعت إسرائيل أن تقدم النموذج الأسوأ للديموقراطية بينما شعوب الأرض جميعها تتوق للحكم الديمقراطي، وتدفع في سبيله الغالي والرخيص؟ والجواب يكمن في فهم جوهر مفهوم الديمقراطية، ومنظومة القيم التي تجعل منها نظاماً صالحاً للحكم.
الديمقراطية ليست قيمة في ذاتها بل هي مجرد وسيلة، وسيلة لضمان تطبيق واستقرار واستمرار قيم أخرى هي: العدالة والحرية والمساواة، فالديمقراطية وسيلة لضمان تحقيق العدالة بين أفراد المجتمع، وهذه العدالة تستلزم أن يكون هؤلاء الأفراد أحراراً لا قيد ولا شرط على تمتعهم بحريتهم، ولا وصاية عليهم، لأن حرية الأفراد تضمن أن يكون لديهم الأهلية، والقدرة على الاختيار ما بين النظم والسياسات والإجراءات التي تحقق العدالة بينهم، ولكن شرط الحرية لا يكفي إذا كان أفراد المجتمع غير متساوين، أي إذا كان يحكمهم نظام طبقي جامد يميز بينهم في الحقوق، والواجبات، ولا يجعل قرار الواحد منهم واختياره مساوياً للآخر.
فتكامل منظومة العدالة والحرية والمساواة واستقرارها في المجتمع استقرارا راسخا يجعل من الديمقراطية وسيلة عادلة يستخدمها أفراد أحرار متساوون لتحقيق الصالح العام، وضمان استقرار واستمرار مجتمعهم مزدهراً يحقق السعادة لأفراده، وهذا الأمر يتطلب أن يتم تقنين كل ذلك في صورة دساتير ونظم وقوانين وإجراءات، لأن التقنين يضمن الاستمرار والاستقرار.
وهنا نخلص إلى نتيجة جوهرية وهي أن وجود القانون هو أساس الديمقراطية، ذلك القانون الذي يضعه أفراد أحرار متساوون لتحقيق العدالة فيما بينهم، وضمان تحقيق العدالة للأجيال التالية بعدهم، ذلك القانون هو أساس الديمقراطية، وبدون وجود القانون تصبح الديمقراطية إسرائيلية يستخدمها من يملك السلاح لتجريد من لا يملكه من كل حقوقه الإنسانية، وتهجيره من أرضه، وفرض جدار يعزله عن أرضه وأخيه وأخته وعن مدرسته، وإخضاعه للتفتيش المهين في كل جيئة وذهاب، هذه الديمقراطية التي لا يحكمها القانون، ولا تقوم على مبادئ العدالة والحرية والمساواة هي التي تكلم عنها الحكيم اليوناني "داريوس"، وهي التي تطبقها إسرائيل.
فهل يستطيع العرب رفع الغطاء الزائف الذي زينت به إسرائيل قبحها الإنساني، وانعدام القيم فيها، وعنصرية كل نظامها وقانونها ودستورها؟ هل يستطيع العرب إقناع العالم أن إسرائيل دولة خارج إطار القانون والقيم الإنسانية الكبرى: العدالة والحرية والمساواة؟ هذا هو المجال الحقيقي لمعركة تحرير فلسطين وليس الشعارات الكاذبات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة