«لحظة الحقيقة» في رفح.. نتنياهو والجيش بين فكي الأرض والسياسة
في غضون أسابيع قليلة يفترض أن ينهي جيش إسرائيل عملياته برفح، في توجه لا يبدو أنه يروق لرئيس وزراء يتعلق مصيره السياسي باستمرار الحرب.
فبنيامين نتنياهو يدرك جيدا أن نهاية الحرب في غزة ستعني ضمنيا إنهاء حكومته، والتوجه إلى انتخابات يخشى أنها ستنتهي به وأحزابه الشريكة إلى مقاعد المعارضة.
ويعتقد نتنياهو أنه كلما استمرت الحرب كلما تعززت فرص بقاء حكومته وبالتالي بقاؤه السياسي.
وفي حين قدر بعض المحللين أن خروج بيني غانتس من الحكومة سينعكس سلبا على مكانة نتنياهو كرئيس للوزراء، وعلى حزبه "الليكود"، ولكن الأمر لم يكن كذلك.
فقد أشارت نتائج استطلاع للرأي العام نشرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، اليوم الجمعة، إلى أن خروج غانتس قلص الفارق بين حزب "معسكر الدولة" الذي يرأسه وحزب "الليكود" بقيادة نتنياهو، بشكل كبير جدا.
ووفقا للاستطلاع، فإنه إذا جرت انتخابات اليوم فإن "معسكر الدولة" سيحصل على 23 مقعدا، أما الليكود فسيحصد 22.
ومطلع العام الجاري كانت "معاريف" تتوقع حصول "معسكر الدولة" على 40 مقعدا والليكود على 18.
ومع ذلك، فإن الخلافات بين نتنياهو والجيش الإسرائيلي بشأن استمرار الحرب على غزة بدأت تطفو على السطح، ومعها تظهر الحاجة لاتخاذ القرار بشأن استمرار الحرب في غزة أو الانتقال إلى حرب في لبنان.
وقال المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل، الجمعة "بينما يقوم الجيش الإسرائيلي بإعداد قواته، والجمهور، لإنهاء القتال في غزة للتركيز على الحرب المتنامية في الشمال، فإن نتنياهو محاصر في شبكته السياسية".
وأضاف أن تلك الشبكة "مذعورة دائما من التفاهة والشعارات وألعاب إلقاء اللوم سيئة النية، وإطلاق النار تجاه الجيش الإسرائيلي والمتظاهرين و(الرئيس الأمريكي جو) بايدن وكل من في طريقه".
"لحظة الحقيقة"
في إشارة إلى الموعد المفترض لإنهاء العملية العسكرية في رفح، رجح هارئيل أن "تأتي لحظة الحقيقة في الحرب في غضون أسابيع قليلة".
وأوضح: "سيكمل الجيش الإسرائيلي عمليته الهجومية في رفح، في ظل القيود الأمريكية وبعيداً عن إلحاق هزيمة كاملة بحماس، وسيرغب في إعلان النتيجة".
وتابع: "سيأتي الجنرالات إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ويطلبون منه مساعدتهم على تحقيق الوضوح الاستراتيجي، وسيوصون بوقف الحملة في قطاع غزة بالصيغة الحالية".
كما "سيقترح الجيش تقليص العدد المحدود بالفعل من القوات العاملة في ممر فيلادلفيا على طول الحدود المصرية وفي الممر الآخر وسط القطاع، والتركيز على الغارات ضد أهداف إضافية لحماس ومنح الفرصة مرة أخرى لتحركات أخرى".
وبحسب تقديرات هارئيل، بالتحليل الذي طالعته "العين الإخبارية"، فإن "هذه التحركات تهدف إلى تضمين محاولة استئناف الاتصالات بشأن صفقة الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة".
وقال "إذا نجح ذلك -ولا تبدو الاحتمالات كبيرة في الوقت الحالي- فسيكون من الممكن استغلال الوقت لإعطاء الجنود فترة تجديد، حيث ستبذل الولايات المتحدة جهدا أخيرا للتوصل إلى اتفاق دبلوماسي في لبنان. بهدف إبعاد قوات حزب الله عن الحدود مع إسرائيل".
ومستدركا: "وبخلاف ذلك، سيتم الاستعداد لحرب شاملة محتملة في الشمال".
تقييم متفائل
استنادا إلى هارئيل "أوردت إذاعة الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع تقييماً متفائلاً للقيادة الجنوبية: نحو 14.000 من مسلحي حماس، من أصل قوة قوامها نحو 30.000، قتلوا في الحرب".
و"تم اغتيال نصف قادة الكتائب الـ24 بالحركة، لقد تدهور نظام القيادة والسيطرة بشكل خطير، ولم يتبق لدى حماس سوى بضع مئات من الصواريخ متوسطة المدى القادرة على ضرب تل أبيب الكبرى ومنطقة أشدود"، وفق المصدر نفسه.
وبالمقابل، فإنه "فيما يتعلق بالرهائن، ليس لدى الجيش أخبار مشجعة في الوقت الحالي، والنجاح الباهر الذي حققته عملية الإنقاذ الأخيرة بتحرير أربعة رهائن من مخيم النصيرات للاجئين هو الاستثناء الذي يثبت القاعدة".
واعتبر أنه "في أفضل الأحوال ستنشأ فرص لتحرير عدد قليل آخرين، الأمر الذي ينطوي على مخاطر عالية ودون تحرير مجموعة كبيرة من الرهائن".
ماذا يريد نتنياهو؟
يدرك نتنياهو هذه المعطيات جيدا، ومع ذلك فإنه يصر على "الانتصار الحاسم" على "حماس" الذي يعتقد الجيش الإسرائيلي أنه غير ممكن.
فالجيش يفرق بين القضاء على القدرات العسكرية لحركة "حماس" وبين استمرار وجود الحركة، فهو يرى أنه من الممكن الإضرار بقدرات "حماس"، وفي الوقت نفسه لا يعتقد أنه من غير الممكن القضاء على الحركة نفسها.
وهذه التقديرات قدمها كبار القادة العسكريين السابقين في بداية الحرب ولم يقبلها نتنياهو أو الجيش، ولكن اليوم نتنياهو لا يقبلها والجيش يقر بها.
فالجيش يريد الخروج من مستنقع الحرب على غزة، أما نتنياهو فيعتقد أن استمرار الحرب هو ضمان لاستمرار بقائه السياسي.
وقال هارئيل: "نتنياهو، الذي يعرف وجهة نظر الجيش لا يميل إلى القبول بها، ويستمر في التصريح بأن الحرب الشاملة ضد حماس ستستمر مهما تطلبت من وقت".
كما أنه "يطلق مرة أخرى وعوداً بالنصر الكامل لمؤيديه، وفي الواقع ما لدينا هو حرب تبدو أكثر أبدية من النصر الشامل ويظل الهدف الأسمى لنتنياهو هو البقاء".
وأضاف "ومع اعتبار البقاء السياسي هو الهدف الأسمى، فإن الآثار المحتملة الأخرى لخوض حرب لا نهاية لها تقل أهميتها، أي زيادة العبء على القوات المقاتلة في الجيش النظامي وفي الاحتياط، وتفاقم الأزمة مع إدارة بايدن وتآكل الشرعية الدولية لتصرفات إسرائيل".
"ودون التقليل من الروح القتالية وتفاني الجنود والقادة على الأرض"، يتابع "تدرك هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي الحاجة الملحة إلى تغيير الاستراتيجية الإسرائيلية".
خلافات
ويعكس مقال هارئيل الفجوة الآخذة بالاتساع بين الجيش ونتنياهو، التي برزت بشكل واضح هذا الأسبوع، عندما قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري إن "فكرة إمكانية تدمير حماس هي ذر للرمال في عيون الجمهور".
ورد مكتب نتنياهو على تصريحاته، في بيان اعتبر أن مهمة الجيش هي تنفيذ قرارات المستوى السياسي.
وقال هارئيل: "منذ منتصف الأسبوع دارت سجالات بين مكتب رئيس الوزراء ووحدة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي في شكل تصريحات رسمية بأسلوب سلبي عدواني".
واستدرك: "هذا التطور يخدم نتنياهو مرتين، أولاً كل جولة مثل هذه من كرة الطاولة تصرف الانتباه عن الفشل المزدوج الذي وقع تحت مسؤوليته: مذبحة 7 أكتوبر/تشرين الأول والإدارة المتعثرة للحرب".
ثانياً إنه "يوفر ذريعة مثالية لعدم تحقيق إسرائيل لأهدافها الحربية التي حددتها بنفسها، هناك دائما شخص آخر يتحمل المسؤولية: الجيش، والمتظاهرون والرئيس بايدن".
وأشار إلى أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي يسير على الحافة، ولكن هناك بعض الضباط الذين يرغبون في رؤيته أكثر جرأة.
فالأوقات الصعبة تتطلب تصريحات حادة، تقديم آلية ختامية لرفح، والمطالبة بالتقدم نحو تبادل الرهائن، والتنسيق مع الجمهور بشأن ما يمكن توقعه في العمق في حالة نشوب حرب شاملة في الشمال"، مختتما بالقول "تكلم يا هاليفي، تكلم".
aXA6IDMuMTM5LjY3LjIyOCA=
جزيرة ام اند امز