إيران أمام سيناريوهين بعد نصر الله.. انتقام أو «صبر استراتيجي»
عندما قصفت إسرائيل مبنى القنصلية الإيرانية بسوريا تعهدت إيران بالانتقام، وبالفعل شنت هجوما صاروخيا، لكن الحرب الشاملة لم تندلع.
وبعد أشهر، قٌُتل القائد العسكري البارز لحزب الله فؤاد شكر، ليلحق به بعد ساعات رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في قلب طهران، ولم ينفجر الصراع الإقليمي الأوسع، الذي اعتبره البعض وشيكا.
وقبل أيام، قُتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت، وهو ما يعد ضربة موجعة للحزب وطهران، لكن من غير المرجح أن تندلع حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران، وفقا لما ذكرته وكالة "بلومبرغ" الأمريكية.
إعادة بناء
ونقلت الوكالة عن مسؤولين حكوميين حاليين وسابقين في الولايات المتحدة والشرق الأوسط وخبراء إقليميين قولهم إن إيران ستركز على إعادة بناء الجماعة المسلحة في لبنان والحفاظ على شبكة وكلائها لأطول فترة ممكنة.
ورغم التهديدات التي تثيرها إيران فإن ما تسميه الأخيرة "محور المقاومة" يشهد حاليا حالة من الضعف، في ظل تراجع أهم ركائز هذا المحور، وهو حزب الله، إضافة إلى "ضعف طهران نفسها"، حسب قول المصدر ذاته.
ولم يعد لدى الجماعة اللبنانية أو طهران الكثير من الخيارات بعد الضربات المتتالية، وهو ما يجعل احتمالات تصعيد الصراع غير مرجحة، وفقا لما ذكره مصدر مطلع.
فيما اعتبر مسؤول عربي تحدث لـ"بلومبرغ" أن ما يثير الشكوك حاليا هو إذا كانت إسرائيل ستسعى لتوجيه المزيد من الضربات لأهداف من حزب الله بهدف إلحاق الضرر بالجماعة اللبنانية، في الوقت الذي ينصب فيه تركيز الولايات المتحدة على الانتخابات الرئاسية المقررة نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وفي هذا السياق، قالت دينا اسفندياري، المستشارة البارزة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، إن إيران "ستكون محاصرة للرد، مع وجود جوقة أكبر من الناس يطالبون بالانتقام".
وأضافت "لكن الإدارة الإيرانية لا تريد التورط في صراع لا يمكنها الفوز به.. لذلك سيتعين عليها قياس رد فعلها".
إشارات
وهناك إشارات مبكرة من المسؤولين بأن طهران ستمارس نوع ضبط النفس الذي أظهرته بعد استفزازات إسرائيل الأخيرة في ظل التفوق العسكري لإسرائيل ونقل الولايات المتحدة للمزيد من القوات إلى المنطقة لتحقيق الردع.
ومن بين الإشارات ما قاله محمد جواد ظريف، أحد كبار مساعدي الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ووزير الخارجية السابق: "سنرد في الوقت المناسب وباختيارنا الخاص".
كما أكد أول بيان للمرشد الأعلى علي خامنئي بعد مقتل نصر الله أن "حزب الله لديه ما يكفي من الناس الذين يمكنهم أن يحلوا محل نصر الله وأن محور المقاومة سيقرر مصير المنطقة".
ويعكس الخطاب الصادر عن طهران رغبة المؤسسة الدينية والعسكرية في إبعاد الحرب عن البلاد، وفي المدى القريب ستكون المهمة الأساسية هي استعادة قوة الجماعات المسلحة التي تدعمها في المنطقة وضمان عدم انخراطها في حرب شاملة.
أما في لبنان فإن الأولوية هي الحفاظ على ما تبقى من حزب الله، وفقًا لما ذكره فالي ناصر، المستشار الأول السابق لوزارة الخارجية الأمريكية وأستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة جونز هوبكنز.
ناصر مضى موضحا "الأولوية بالنسبة لإيران هي الردع، فهي لا تريد حربا أكبر في الوقت الحالي وتشتبه في أن إسرائيل تريد حربا"، مضيفا "لا يتعلق الأمر بالانتقام لنصر الله، بل يتعلق بإعادة بناء موقفهم"، في إشارة لإعادة بناء قدرات حزب الله.
ووفق بلومبرغ، أصبح من الصعب "إخفاء ضعف إيران" في خضم سلسلة الهجمات الكبرى التي تعرضت لها، إذ يتشابه مقتل نصر الله مع قتل الولايات المتحدة قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني في أوائل 2020.
ناصر عاد وقال إن مقتل نصر الله يعد "ضربة قوية بعد مقتل سليماني"، مشيرا إلى التشابه الكبير بين الرجلين، حيث كان نصر الله "شخصية أيقونية ومحورية لا يمكن استبداله بسهولة"، وأكد أن "إعادة بناء حزب الله لا يمكن أن تتم بسرعة".
الردع والصبر
وذكر مصدر مطلع على التحركات العسكرية في المنطقة، لـ"بلومبرغ"، أن "سوريا والعراق الحليفان سيصبحان قنوات رئيسية لنقل الموارد إلى حزب الله".
وقال المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته إن "إيران ستحاول الآن نقل آلاف المقاتلين إلى المناطق الحدودية في لبنان وسوريا"، مضيفا "خلال الشهرين الماضيين انتقل عدة آلاف من المقاتلين من العراق إلى سوريا، مما يشير إلى أن طهران تستعد لتعزيز ردعها".
وفي محاولة لرسم صورة أوسع عن رد فعل إيران، قال جوناثان لورد، المسؤول السابق في البنتاغون ومدير برنامج الأمن في الشرق الأوسط في مركز الأمن الأمريكي الجديد "إيران لا تقاتل من أجل وكلائها، بل يقاتل وكلاؤها من أجلها".
وأضاف "النظام مهتم أكثر بالحفاظ على الذات، ولن يعرض نفسه للخطر عن عمد".
بينما تقول باربرا سلافين، زميلة بارزة في مركز ستيمسون، المتخصص في الشؤون الخارجية بالولايات المتحدة "من الواضح أن إيران مذهولة إلى حد ما من كل هذا، وتحتاج إلى الوقت لإعادة تنظيم صفوفها".
وأضافت "سيظل الإيرانيون حذرين، فهم يدركون أن إسرائيل لا تزال في مزاج للتصعيد.. سيعودون إلى تكتيكات حرب العصابات والصبر الاستراتيجي".