بعد إشارة السيسي لها.. ما هي صحراء النقب؟
إذا ما نظرت إلى خارطة إسرائيل ستجد أن الجزء الأكبر من مساحتها الفارغة يقع في الجنوب أو ما يعرف بصحراء النقب.
وتصدر اسم صحراء النقب المشهد السياسي، في الساعات الماضية، عقب إشارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إليها، في مؤتمر صحفي مشترك عقده مع المستشار الألماني أولاف شولتز، بالقاهرة، أمس الأربعاء.
فعلى وقع إخطارات الجيش الإسرائيلي لسكان شمال قطاع غزة بالتوجه إلى الجنوب، وأصوات المحللين الإسرائيليين التي تنادي بترحيل سكان غزة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، وجّه رسائل شديدة لتل أبيب، محذرا من تصفية القضية الفلسطينية.
رسائل جدد فيها السيسي تأكيده على رفض مصر لتهجير الفلسطينيين وتصفية قضيتهم.
وقال الرئيس المصري "نقل المواطنين الفلسطينيين من القطاع إلى سيناء يعني (..) نقل فكرة المقاومة والقتال من غزة إلى سيناء، وبالتالي تصبح (سيناء) قاعدة لانطلاق عمليات ضد إسرائيل، وفي هذه الحالة من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها وأمنها القومي، وبالتالي ستستهدف أراضينا".
وفي هذا السياق، شدد على أن "مصر دولة كبيرة حرصت على السلام بإخلاص، وبالتالي نحتاج أن نسهم في الاستثمار الكبير في هذا السلام لا يتم تبديده بفكرة غير قابلة للتنفيذ"، في إشارة إلى اتفاق السلام المبرم بين مصر وإسرائيل.
وفيما يتعلق مجددا بفكرة تهجير الفلسطينيين، أضاف "إذا كانت هناك فكرة لتهجير الفلسطينيين فهناك صحراء النقب، في إسرائيل، يمكن نقل المواطنين إلى هناك حتى تنتهي إسرائيل من مهمتها المعلنة في تصفية المقاومة في غزة ثم بعد ذلك تعيدهم إذا شاءت".
فما هي صحراء النقب؟
تمتد صحراء النقب في المناطق الجنوبية للأراضي الفلسطينية المحتلة، بمساحة تتجاوز 14 ألف كيلومتر مربع.
وتشترك حدود النقب مع صحراء سيناء غربا، والأردن شرقا، ومن الجنوب يفصلها عن البحر الأحمر مدينة "إيلات".
وفي الشمال تُعتبر مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية، أقرب المدن الفلسطينية إليها.
تقيم الغالبية العظمى من الإسرائيليين في المنطقة الوسطى أو الشمالية بما فيها تل أبيب وحيفا وصفد وغيرها من المدن، وفق مراسل "العين الإخبارية" في القدس.
وتشكل النقب نحو 40% من مساحة إسرائيل، والتي تبلغ نحو 14 ألف كيلومتر مربع.
ويُشكل البدو، خاصة عائلات الجهالين والترابين والتياها والعزازمة، غالبية سكان المنطقة، حيث يزيد عددهم عن 200 ألف نسمة، ولكنهم لا يقيمون سوى على 2% من مساحة النقب.
وتضم النقب عددا من المدن بينها بئر السبع ولكن فيها أيضا العديد من القرى العربية غير المعترف بها من قبل حكومة إسرائيل ما يجعلها عرضة للتهجير.
يقول ثابت أبوراس، في دراسة نشرها مركز عدالة الحقوقي، طالعتها "العين الإخبارية"، إن البدو "يشكّلون 25% من سكّان المنطقة، ويعيش ما يقارب نصفهم في 38 قرية لا تعترف الدولة بها، لا بل تدّعي ملكيّتها لها".
وفي ديسمبر/كانون الأول من عام 2000، وعشية بدء ولايته كرئيس حكومة، نشر أرئيل شارون مقالاً في مجلة "أرض"، تحت عنوان "الأرض كأداة اقتصادية لتطوير البنية التحتية وتقليص الفجوات الاجتماعية بشكل ملموس".
وقال شارون الذي توفي عام 2014 "في النقب، نحن نواجه مشكلة جديّة: نحو 900,000 دونم من أراضي الحكومة ليست بأيدينا، وإنّما هي بأيدي السكان البدو، إنني، كمقيم في النقب، أرى هذه المشكلة كل يوم، إنها، في الأساس، ظاهرة ديمغرافيّة.. نتيجة للضعف، ولربما أيضا نتيجة نقص الوعي حول هذه المسألة، وإننا كدولة لا نفعل شيئًا لمواجهة هذا الوضع.. إن البدو ينتزعون مناطق جديدة، إنهم يقتطعون من احتياطي أراضي الدولة، ولا أحد يقوم بأمر جدي بشأن ذلك". حسب تعبيره.
وفي هذا الصدد، يوضح أبوراس: "كان البدو، حتى إقامة دولة إسرائيل عام 1948، بغالبيّتهم، السكان الوحيدون في النقب. وفي 1947 عاش أكثر من 90,000 من البدو، أبناء 96 عشيرة مختلفة، على مساحة تمتد جنوبا من كريات جات وأشدود".
مضيفا "وفقا لمصادر عديدة، ومن ضمنها المصادر اليهودية، فإن هؤلاء البدو كانوا يمتلكون نحو مليوني دونم من الأراضي، وهم يحتفظون بها بموجب نظام متفق عليه وواضح يتعلق بحقوق الملكية، وقد تم تقسيم الأراضي وفقا لاتفاقات عشائرية".
وتابع "كانت الأرض على الدوام المورد الأهم في حياة البدو، وحظي هؤلاء الذين امتلكوا قطعة أرض كبيرة بمكانة اجتماعية عالية، وأما مَن لا أرض لديهم فقد باتوا في المكانة الدنيا في المجتمع البدوي في النقب، إن معظم الأراضي في النقب امتلكها البدو بالوراثة، من دون أي مستند خطّيّ من أي نوع كان".
تضاريس النقب
وتتكون صحراء النقب من مزيج من الجبال الصخرية والبنية الترابية التي تقطعها الحفر العميقة والوديان.
وهي منطقة شبه صحراوية وصحراوية يمكن تقسيمها إلى خمس مناطق جغرافية (وادي عرابة، والهضبة المرتفعة، والوسطى، والغربية، والنقب الشمالي).
فالنقب الغربي لديه تربة رملية خفيفة ويتلقى 9.8 بوصة من الأمطار سنويًا.
أما النقب الشمالي فهو خصب للغاية، ويتلقى 11.8 بوصة من الأمطار كل عام، فيما يمكن أن يصل ارتفاع الكثبان الرملية في هذه الصحراء الصخرية إلى حوالي 98.4 قدم.
ويتلقى النقب المركزي هطولًا سنويًا يبلغ حوالي 7.87 بوصة.
ويوجد في وسط النقب تربة منيعة تسمح بنفاذ الماء إلى درجة منخفضة.
يمتد وادي عرابة على بعد 112 ميلاً من البحر الميت إلى إيلات، حيث التربة في وادي عربة منخفضة إلى حد كبير، ولا يمكن أن تنمو هناك دون بعض الإضافات الخاصة والري.
وصحراء النقب هي منطقة قاحلة تحصل على القليل من الأمطار بسبب موقعها على الجانب الشرقي من الصحراء، فيما الصقيع والثلوج نادرة جدا في الأجزاء الشمالية .
أراضي النقب في أعقاب قيام إسرائيل
يذكر أبوراس، في دراسته، أنه "قبل قيام دولة إسرائيل نجحت المؤسسات اليهودية في شراء نحو 95,000 دونم من أراضي النقب. ولم تظهر أولى المستوطنات اليهودية هناك إلا في عام 1946. ومع قيام الدولة نشأت الحاجة الملحّة للمستوطنات اليهودية، وخلال حرب 1948 تم فرار أو طرد معظم البدو العرب إلى الأردن، وقطاع غزة ومصر".
واستطرد "وبقي في النقب تقريبا نحو 10,000 نسمة فقط. وقرر رئيس الحكومة الإسرائيليّة الأول دافيد بن غوريون تركيزهم في شمال شرق النقب، ضمن منطقة تبلغ مساحتها 1.5 مليون دونم يُطلق عليها "السّياج"، حيث يسكن الآن بالفعل آلاف من البدو".
"في أعقاب انتهاء الحكم العسكري عام 1966 قررت الحكومة الإسرائيلية تمدين البدو، مركّزة إياهم في مناطق مدنية بُنيت لهذا الغرض. وكانت أول مدينة كهذه هي تل السّبع، والتي كان تأسيسها مشوبا بعدد كبير من الأخطاء التخطيطية، والتي أصبحت واضحة عند بناء المركز المدينيّ الثاني رهط، الذي أقيم في 1972". بحسب أبوراس.
أما بلدتا كسيفة وعرعرة، يشير أبوراس إلى أنهما أقيمتا عام 1982 "لغرض توطين البدو الذين تم طردهم عن أراضيهم في تل ملهاتا إثر الانسحاب الإسرائيلي من سيناء وبناء المطار العسكري "نيفاتيم" في الموقع، وتمت إقامة شقيب السلام عام 1984 وكل من حورة ولقية عام 1990".
وبحسب الباحث نفسه، فإن "هنالك حاليا إثباتات ملكية معلّقة من قبل العرب البدو تتعلق بـ776,000 دونم من الأراضي في النقب. وتعترف الحكومة بهذا النوع من الإثباتات، لكن وفقا لسياسة الحكومة، التي تبنتها المحاكم، فإن البدو لا يمتلكون الأرض، وبدلا من ذلك يتمتعون بحق "الوصاية" الممنوح لهم، كلفتة عن طيب نية من طرف الحكومة".
ووفق أبوراس يشغل البدو في البلدات والقرى المعترف بها وغير المعترف بها على حد سواء، من مجمل منطقة النقب البالغة 12,918,000 دونم،240,000 دونم أو ما يعادل 1.8% من الأراضي.
ويشغل سكان القرى غير المعترف بها 180,000 دونم، أو ما يعادل 1.3% من الأراضي.
ويُقدّر مجمل مساحة الأراضي التي يُطالب بها البدو بـ5.4% من إجمالي مساحة أراضي النقب.