حراك دولي مكثف يحاول القفز من الوضع الحالي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي إلى مرحلة جديدة تدشن لحل دائم.
ويبدو أن هناك قناعات لدى كثير من قادة المنطقة والعالم بأن ما جرى في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يمكن أن يفتح الباب أمام مفاوضات مباشرة كتلك التي جرت خلال مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
فالمنطقة تمر بمنعطفات خطيرة، وتسعى أطراف إقليمية ودولية إلى تحقيق سلام في المنطقة ككل، لكن هذا المسار يجب أن يقترن بتسوية للقضية الفلسطينية، تأتي عبر مسار تفاوضي جديد يفضي إلى صفقة شاملة في نهاية المطاف.
ويجمع خبراء، تحدثوا لـ"العين الإخبارية"، على أن هناك إعادة ترتيب للأوضاع بالمنطقة يجري العمل عليها، بمشاركة دول عربية، وتوقعوا إعادة طرح مبادرة السلام العربية، بشكل يراعي المستجدات الحالية والأوضاع الإقليمية والدولية.
ويستدل بذلك على التحركات المكثفة التي تسعى لتطوير المفاوضات الحالية بشأن وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين لإبرام صفقة أشمل.
مبادرة السلام العربية
الكاتب والمحلل السياسي السعودي مبارك آل عاتي قال إنه من الواضح أن هناك إعادة ترتيب للأوضاع بالمنطقة يجري العمل عليها، لكن هذه المرة بمعرفة دول المنطقة وبمشاركتها، بل وبمطالبها أو شروطها القديمة الجديدة، على حد قوله.
وأوضح آل عاتي لـ"العين الإخبارية" أن العرب يراهنون حالياً على قوة وصلابة الموقف السعودي، وعلى القمة العربية في البحرين، التي ستمثل فرصة جديدة لإعادة تمسكهم بخيار السلام، ودعمهم موقف الرياض وشروطه المحقة الداعمة للأشقاء الفلسطينيين، في إشارة إلى الشروط التي تعلن عنها المملكة للتطبيع مع إسرائيل.
وتوقع المحلل السياسي السعودي أن يعاد طرح مبادرة السلام العربية، التي أعلنتها السعودية عام 2002 في العاصمة اللبنانية بيروت، كونها المبادرة الأكثر قابلية للتطبيق.
وقال إنه من المنتظر للقمة العربية أن تسعى أيضا لإعادة جمع الفرقاء الفلسطينيين، وخلق موقف فلسطيني موحد يعالج مستقبل غزة، وإعادة تأكيد انفتاح العرب على علاقات السلم والتعاون مع جميع دول المنطقة الرافضة للتدخل في شؤون غيرها.
وخطة السلام العربية أو مبادرة السلام العربية أطلقها العاهل السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وتهدف إلى إنشاء دولة فلسطينية وعودة اللاجئين والانسحاب الإسرائيلي من هضبة الجولان السورية، مقابل السلام مع إسرائيل، وأقرتها القمة العربية التي عقدت في بيروت عام 2002 بالإجماع.
وفي تقدير آل عاتي، فإن ما جرى ويجري من إعادة إحياء التفاوض حول القضية الفلسطينية، يعتبر من نتائج الإصرار والإرادة السعودية على استثمار اللحظة التاريخية المتمثلة في التفاوض السعودي الأمريكي بشأن خطوط العلاقات بين البلدين، وإصرار الرياض على أن تكون القضية الفلسطينية من أوائل الملفات على طاولة المفاوضات.
لكنه اعتبر في الوقت ذاته أن رفض تل أبيب للتفاوض أمر يمثل عائقا حقيقيا أمام إتمام مشاريع السلام، ما سيكشف الأخيرة أمام الغرب والعالم على أنها الرافضة للسلام.
وفي وقت سابق، أعلن رئيس وفد حركة حماس لمفاوضات وقف الحرب وتبادل الأسرى خليل الحية، أن الحركة مستعدة للموافقة على هدنة لمدة 5 سنوات، أو أكثر مع إسرائيل وأن تتحول إلى حزب سياسي وتتخلى عن سلاحها، إذا أقيمت دولة فلسطينية.
نقطة تحول بمسار الصراع
أما الكاتب والمحلل السياسي التركي محمود علوش فقال إن حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول شكلت نقطة تحول كبيرة في مسار الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وأعادت تشكيل السياسات الإقليمية المرتبطة به، ولم يعد بالإمكان تصور أن تعود الأمور إلى ما قبل هذا اليوم.
وأكد علوش لـ"العين الإخبارية" أن دول المنطقة تسعى لأن تسفر الحرب الحالية عن خلق مسار يُفضي إلى حل عادل وشامل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، معتبرا أن نقطة القوة الرئيسية في الموقف الإقليمي الحالي تتمثل في رهن الرياض التطبيع مع تل أبيب بخلق مسار يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية.
أجواء مشابهة لمدريد
وعن التشابه بين الأجواء الحالية والظروف التي أفضت إلى مؤتمر مدريد، قال الدكتور بشير عبدالفتاح، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ومقره القاهرة، إن الأجواء الحالية قد تكون مشابهة لأجواء مؤتمر مدريد للسلام.
وأضاف عبدالفتاح لـ"العين الإخبارية" أن كل ما نتج عن مدريد هو اتفاق أوسلو، معتبرا أن الاتفاق لم يكن معالجة نهائية، وإنما كانت جزئية للصراع، مشددا على الحاجة الآن إلى معالجة نهائية وجذرية لحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية.
واعتبر أن المنطقة أمام لحظة حاسمة، إذ إن العالم كله يدرك أن عدم إقامة دولة فلسطينية، أو لتوصل لتسوية جذرية للصراع سيؤدي إلى تجدد هذه المواجهات.
محطة جديدة
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني سليمان بشارات، مدير مركز "يبوس" للدراسات الاستراتيجية (فلسطيني/مستقل)، إن الحرب الحالية في غزة تختلف عن كل المواجهات التي خاضتها إسرائيل مع الجانب الفلسطيني.
وأوضح بشارات لـ"العين الإخبارية" أنه في ظل الظروف الإقليمية والدولية الحالية، فإن ارتدادات هذه الحرب لن تكون فقط على العلاقة الفلسطينية – الإسرائيلية، وإنما على العلاقة الإسرائيلية الإقليمية والعربية والدولية بشكل كامل.
وأكد أنه لهذا السبب، من الطبيعي أن تفرز هذه الحرب محطة جديدة من العلاقات إقليميا ودوليا، مشيرا إلى أن تل أبيب كانت تتمتع بقدرة عالية على تسويق ذاتها قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول بأنها الدولة القوية المحورية المركزية، لكنها ستجد مستقبلا صعوبة الاستمرار في ذلك.
وأشار إلى أن الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين مر بكثير من المحطات، بداية من محطة أوسلو ومحطة الانتفاضتين الأولى والثانية، معتبرا أن كل ذلك يمكن أن يشكل حراكا تجاه الحديث عن منح الفلسطينيين كيانا سياسيا، ما تجلى في المطالب المتعددة بضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية.